د. محمد حامد الغامدي


مناطق جبال الجنوب الغربي المطيرة فقيرة «التربة»، قشرة تعتلي الصخور والطبقات الصماء، بعمق المتر في معظم الحالات، يتعاظم نحتها وجرفها مع هطول الأمطار، لجأ أهل هذه المناطق لبناء المدرجات الحجرية، لمنعها من الانجراف والضياع. حافظوا عليها. وظفوها في المدرجات لصيد مياه المطار، وتجميعها، وتخزينها، هذا قلل من تبخرها، استثمروها زراعيا وبكفاءة عالية.

المدرجات الحجرية بناء عملي وجبّار، يشكل أحواضا ذات كفاءة عالية، لتغذية الخزان الاستراتيجي الطبيعي بمياه الأمطار المتجددة.
السؤال: كيف تستفيد المناطق الداخلية الشرقية من مياه هذا الخزان الطبيعي دون أي فقد بفعل المناخ الحار والملتهب؟ بعض كتبي شرحت كيفية الاستفادة، خاصة كتابي: «بيشة الموقع الاستراتيجي لقياس مستقبل وضع المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية».
تعتمد استفادة المناطق الداخلية من الخزان الاستراتيجي الطبيعي للمياه الجوفية المتجددة على حقيقة ميول الصخور الجيولوجية من غرب المملكة لشرقها، يرتفع هذا الخزان عن سطح البحر بأكثر من «2000» متر، في حال تشبعه بمياه الأمطار، وبسبب انحدار الصخور الحاملة للمياه شرقا، فإن المياه تتسرب عبر مسارات صخرية متجهة إلى المناطق الداخلية.
مسيرة جريان المياه الجوفية يحدث تحت سطح الأرض بعمق يصل حتى 50 متر، هذا يعمل على حمايتها من قسوة حرارة المناخ والتبخر، بعكس مصير السيول حيث تتعرض مياهها للتبخر بسبب حرارة المناخ، وقرب تواجدها تحت سطح الأرض، حيث تطالها حرارة الشمس فتبخرها.
علينا استغلال واستثمار وتوظيف هذه الآلية الطبيعية، وتعظيم دورها من خلال الحفاظ على سلامة الخزان الاستراتيجي الطبيعي للمياه الجوفية المتجددة في مناطقنا الجبلية المطيرة، علينا تفعيل العمل الجاد والمسؤول والدائم للحفاظ على «تربة» المناطق الجبلية المطيرة، إنها الوعاء الأساس لتجميع وخزن مياه الأمطار في هذا الخزان الطبيعي.
أحد أهم الوسائل والأدوات التي تحافظ على «تربة» الجبال المطيرة - منطقة الخزان الاستراتيجي الطبيعي - تكمن في بناء المزيد من المدرجات. أيضا الحفاظ على المدرجات التاريخية التي اتخذتها الأجيال التي مضت وسيلة للحفاظ على البقاء.
نحن لن نعيد اختراع العجلة، كل ما علينا هو بناء المزيد من المدرجات، بجانب الحفاظ على القائم منها عبر التاريخ، وحمايتها من التهدم لمنع تربتها من الانجراف والضياع الأبدي.
إن سريان المياه من الخزان الاستراتيجي تحت سطح الأرض فيه حماية لمياه الأمطار من التبخر، امتلاء الخزان بالمياه الجوفية يعني تدفق هذه المياه شرقا الى المناطق الداخلية. فتتفجر في طريقها إلى عيون فوارة بسبب عدة عوامل.
ستنال سهول مناطق تهامة نصيبها من مياه هذا الخزان الاستراتيجي عن طريق التشققات في الصخور المنحدرة شرقا، والتي ينز منها الماء ويتجه غربا ليظهر في سهول تهامة في شكل ينابيع وعيون فوارة.
حماية بيئة المناطق الجبلية المطيرة وتربتها النادرة، ركيزة أساسية للحفاظ على هذا الخزان الاستراتيجي الطبيعي للمياه الجوفية. دعوت سابقا، وأجدد الدعوة: لنجعل هذه الجبال المطيرة محمية مطرية لصيد، وتجميع، وتخزين مياه الأمطار، إنها الطريقة الأمثل، والمستدامة لمنع وقوع العطش.
نحن نواجه أكبر معركة في تاريخ البشرية لمنع وقوع عطش الإنسان والبيئة، أجيالنا القادمة بحاجة إلى جهودنا في هذا الشأن. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH