سعود القصيبي


كعادتي أتابع ما يحدث سياسيا في الولايات المتحدة لأعرف التوجه والسياسات المؤثرة في الاقتصاد، ولمن يتبع مقالاتي فقد كتبت في تأثير الرئيس الأمريكي بايدن على الاقتصاد العام العالمي قبل استلامه الرئاسة والتي كان منها التنبؤ في ارتفاع أسعار النفط وأسعار الفائدة وتأثيرها على سوق العقار المحلي.
وها نحن في دورة أخرى للرئاسة الأمريكية والمتوقع لها على الأقل إعلاميا بفوز الرئيس السابق للولايات المتحدة ترامب، وشاءت الصدف أن أكون متواجدا في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، وأعلن وقتها عن خطاب له فذهبت إليها ويا لها من تجربة، فلم أرى في حياتي أكثر غرابة من هؤلاء الناخبين الواقفين ينتظرون دورهم للدخول للاستماع إلى الخطاب وأترككم مع تجربتي ولعلكم تشعروا بما أحسسته وإليكم القصة.
لمعرفة أبنائي بمتابعتي لترامب أبلغوني بخطاب له سيقام في حي الكوينز أثناء زيارتنا للمدينة، فقد كان لي بالإضافة بمثابة بطل مسلسلات السوب أوبرا فلا كنت أنام أثناء رئاسته إلا واستمع إليه مشدد الحديث عن أحدهم، متهم الكون بالوقوف ضده وأنه أفهم العالمين، لدرجة حتى أنه اتهم بالنرجسية وكان الأمر بالفعل مسليا، فعزمت للذهاب إلا أني وجدت أن ليس كل أبنائي لديهم شجاعة فحي كوينز هو من أخطر الأحياء وأكثرها جريمة في نيويورك بعد حي هارليم، إلا أن ذهب معي ابني الشاب لغرض الحماية من التعرض لأذى.
الترتيب لحضور الحفل كان يتم عبر التسجيل الإلكتروني ورتبنا للذهاب مع سائق، مفاجئتي أنه كان من الجنسية اليمنية مقيما في أمريكا منذ عشر سنوات مما طمأنني بعض الشيء وكان مسلياً في حديثه، فقد طلبت منه إن كان لديه أغاني يمنية وبالفعل وضع لي بعض الأغاني إلا أنها كانت سعودية لمطربين مجهولين لم أفهم منها إلا كلمة الطائف مدحا بالغناء، فعرفت أنه جاملني وكعادة أهل اليمن هم مسوقون جيدون.
وقبل الوصول إلى موقع الحفل مررنا بالحي الشهير كوينز وتوقفنا في بقالة لم أشاهد فيها سوى مهاجرين من الجزر اللاتينية، فآثرت الصمت وجعلت ابني يتولى الحديث لإجادته اللكنة الأمريكية بدلا عني، وكنت أخشى أن يكونوا متعصبين ضد المسلمين أو العرب، فيصيبني أذى ولأن سكسوكتي ستعرفني، ووصلنا موقع الخطاب قبل ساعة من بدايته في حديقة كبيرة مجاورة للحي، ووقفا في دور الانتظار، وشيئا فشيئا حتى بلغنا مدخل الحديقة، الشرطة وسياراتها ملأت المكان وكأننا في أحد أفلام هوليود بملابسهم الزرقاء الداكنة المحملة بشتى أنواع الأسلحة من بندقية وعصاه وشيء أعتقد انه كان جهازا كهربائيا وبلاستيك كخيط دائري شكله غير متناسق مع الزي المرتب بعناية بدلا من الأصفاد.
أثناء الانتظار للدخول الذي كان لمدة تجاوزت الساعتين، كان معنا جمع غريب عجيب ألوف من أنحاء الكرة الأرضية لكنهم مواطنين، فهذه الآسيوية يرتفع صوتها بلغة متكسرة يو إس لي ذاكرة إسم الرئيس الأمريكي ترامب، وشباب من أبناء عمومتنا أصحاب القبعات السوداء والسوالف الطويلة، وألوان بشر متعددة سوداء وسمراء وبيضاء وصفراء غالبيتهم يتسمون بالسمنة المفرطة ما عدا الأسيويين حتى بديت نحيفا عندهم، ملابس من كانوا بالدور رثة ولم أر فيهم إلا عددا قليل جدا ممن ظننت بملابسهم المرتبة المتناسقة انهم أعلي شأنا من غيرهم على الأقل اجتماعيا.
كان بين الجموع ثملي وآخرون بعيونهم إحمرار ويصرخون ويشتمون جهاز الأمن، وهناك أيضا بين الجموع من كانوا يحسبون الوقت المستغرق للتفتيش للدخول للمحفل بالدقائق وآثروا الرحيل بأسباب البطيء، وأيضا كان هناك من رحل بعد سماع طلقات نار أو بأسباب ضيق التنفس، واستغربت الفوضى العارمة وعدم تواجد أفراد منظمين من الحزب الجمهوري، كان المكان مزدحما جدا بطيء الحركة حتى أنى استمعت لأغلب خطاب الرئيس السابق ترامب من خلال الجوال أثناء الانتظار للدخول، المشاهد كانت كثيرة ولعلي في مقالة أخرى أكملها.
كان الذهاب للحفل الانتخابي لترامب ممتعا ومسلياً، إلا أني أدركت حينها مما شاهدت أننا بنعمة أدامها الله علينا.
@SaudAlgosaibi