د. شلاش الضبعان يكتب:


ما الذي يميز الناجح عن غير الناجح؟
«تعبت»، ثم التوقف والانسحاب، فالناجح لا يقولها مهما كانت الضغوط والمصاعب، بينما غيره لا يتأخر كثيراً في الصرخة بها «لقد تعبت».
لماذا لا يتعب الناجح؟ لأنه يمتلك هدف، ويؤمن أن هذه طبيعة الحياة، ولديه التوفيق والعزيمة ويعلم أن ثباته هو وسيلته في المواجهة.
عندما نقرأ كتب السيرة نجد أن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم واجه صنوفاً من الأذى تُتعب أهل العزائم، ومع ذلك سار نحو هدفه الخيّر بعزيمة وإصرار وتوفيق من رب العباد.
لقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منذ أن أعلن رسالة الخير للعالم، للسخرية والتحقير والاستهزاء، فرمي بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون «وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ»، ويصمونه بالسحر والكذب «وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ» ،وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات حانقة حاقدة، وعواطف منفعلة هائجة «وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ» ،وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه بدأوا بالاستهزاء، وقالوا : هؤلاء جلساؤه «مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا».
لقد كان محاربو رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم مجرمين، كما قال الله فيهم «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ»
وفوق ذلك كانت الشبهات تثار على دعوته صلى الله عليه وآله وسلم، وتُمنع الناس من لقائه، «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تلاوة القرآن في مجامع قومه ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة.
وكان النضر بن الحارث وهو أحد هؤلاء المحاربين، تعلم من علوم الفرس، وكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً للتذكير، جاء وقال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ثم يقول : بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟! مع هذه المضايقات والاتهامات والإيذاء، هل قال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: لقد تعبت! لم يقل، ولذلك لا تقل، بل استمر نحو هدفك بصبر وثبات.
@shlash2020