عبدالله الغنام


مع إطلالة السنة الهجرية «1446» يُفضل أن يكون للمرء خطة أو الأقل تقدير بعضا من الأهداف يرجو تحقيقها خلال السنة الجديدة، ومن المعلوم أنه لم يكن لديك أهداف، فسوف تكون من ضمن أهداف الآخرين «أي أنك أداة للتحقيق خططهم».
وأزعم أن الناس في هذا الشأن ينقسمون إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأول منهم، هم الذين لا يفكرون أصلا في مسألة التخطيط والأهداف فضلا عن كتابتها، فهم يسيرون في الحياة كيفما أتفق! وهؤلاء يتخبطون يمنة ويسرة، وهم يذكرونني بالمقولة المشهورة: «اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب!» نعم، الأرزاق بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولكن لابد من «أعقلها وتوكل»، فأقل الأمر أن يعلم المرء ما يرد أن يقوم به على وجه العموم. ويمكن أن نطلق على هذه الفئة مسمى «إنسان اللحظة».
القسم الثاني: هم أولئك الذين يرسمون أهدافهم السنوية بشكل عام، أي نقاط محددة مكتوبة لما يريدون إنجازه خلال السنة، وبدون تفاصيل كثيرة، وهؤلاء أفضل من الفئة الأولى التي أسلفنا، حيث أنهم يعرفون إلى أين هم متجهون، وماذا يريدون.
وأما الفئة الثالثة، فهم الذين يكتبون الأهداف مع خطة التنفيذ بالتفاصيل التي تبين لهم كيفية الوصول مع تحديد وقت زمني. وهؤلاء الفئة من الناس حين يطرق الحظ عليهم الباب يكونوا على أهبة الاستعداد، وأني اشبههم بالرجل الذي يجمع «رأس المال» وحين تأتي إليه الفرصة يكون جاهز للاستثمار بوقته وجهده، أي الخطة موجودة بشكل مفصل ودقيق، وبالعربي الفصيح الحظ يطرق أبواب «المخططين».
وأما أولئك الذين يقولون: «طقها ولحقها» فقد مر الحظ على أبوابهم عشرات المرات، ولكنهم لم يكونوا مستعدين لتلك الفرص، وأكاد أجزم أن كل إنسان قد أتته عدة فرص في حياته. أضف إلى ذلك، قد قيل: أن كل دقيقة نقضيها في التخطيط، توفر لنا عشرة دقائق من وقت التنفيذ.
ومن المهم على وجه العموم أن تكون الخطة والأهداف مرنة وقابلة للتعديل حسب الظروف المستجدة خلال مسيرة الإنجاز. ويمكن الرجوع إلى بعض الكتب في مجال التخطيط الشخصي والمهني، أو مشاهدة بعض المقاطع المرئية أو المسموعة للمتخصصين في هذا المجال وهم كثر! ولكن المهم هو التطبيق والعزيمة لا مجرد التنظير والتسويف.
ولعل البعض قد يتساءل لماذا علي أن أخطط أصلا؟! ونجيب على عجالة أن من فوائد التخطيط: وجود رؤية واضحة، ويقلل المخاطر والزلل، ويسهل عملية اتخاذ القرارات، ويخفض من الضغوطات والتخبطات، ويزيد من الإنتاج والفعالية، ويساعد في تجاوز العقبات والمشكلات، ويُيسر الحصول على نتائج أفضل.
وعودا على موضوع البدايات حيث أننا في مستهل السنة الهجرية الجديدة كما ذكرنا، فإنه من الجلي أن البداية الواضحة والقوية تسهل الطريق، وسوف تؤتي ثمارها يانعة وناضجة. فعندما كان ابن عباس -رضي الله عنهما - فتى يافعا وفي بداية حياته قال لأحد أبناء الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العلم، فإنهم اليوم كثير، فقال له: واعجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم؟ ومرت الأيام والسنون، فلما رأى ذلك الرجل الأنصاري الناس يلتفون حول ابن عباس يسألونه في أمور دينهم قال: هذا الفتى كان أعقل مني!! وقد جاء في الحديث النبوي ما يختصر كل أنواع التخطيط وحُسن البدايات في قوله عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
@abdullaghannam