هناك العديد والعديد من المصادر التاريخية عن المنطقة الشرقية وخاصة محافظة الأحساء غير منتشرة ومتداولة، يأتي أغلبها باللغة الإنجليزية على شكل تقارير بريطانية، ومنذ أكثر من قرنين من الزمان عكف البريطانيون على إرسال بعثات استكشافية للمنطقة الواحدة تلو الأخرى دونوا فيها ملاحظاتهم وما شاهدوه، أغلبها نجده في الأرشيف البريطاني مما لم يترجم وينشر سابقا، ووقعت بيدي إحدى الترجمات في أحد المواقع لأحد التقارير، وأحببت هنا أن أضعه للتعريف عن طبيعتها وبعض ما حوت بوصفها عن تلك الأحياء والمدن بالمنطقة.
جاء التقرير في المكتبة البريطانية تحت ملف التقرير العسكري عن شبه الجزيرة العربية من إعداد الهيئة العامّة ـ في وزارة الحربية، عام 1904. ومما جاء في التقرير «البلدة الرئيسية في الأحساء وهي بلدة الهفوف الواقعة على بعد خمسين ميلاً تقريباً الى الجنوب والجنوب الغربي من ميناء العقير، لهذه البلدة ست بوابات، والبلدة مقسّمة إلى ثلاثة أحياء: الكوت في الشمال الغربي من البلدة وهو عبارة عن حصن كبير بناه القرامطة، طوله نصف ميل وعرضه ربع ميل، وله أسوار سميكة ارتفاعها أربعون قدماً مزوّدة بأبراج لها فتحات للرمي. وكوى تحت الجدران ذات الفتحات المعدّة للرمي أيضاً، وجميعها مبنيّة من الطين الممزوج بالحجارة، ويحيط بالأسوار خندق، يشرف عليه من الجهة الشمالية مقرّ الحاكم والثكنات.
الحي الثاني هو حي الرفعة الواقع شرق البلدة، هذا حي الأثرياء والوجهاء، وتخترقه الشوارع العريضة والنظيفة، وعلى جوانبها عدّة أبنية أنيقة تزينها الأقواس والجدران المطليّة، ويوجد في الحي سوق مسقوفة ذات قناطر تدعى «القيصرية»، وهناك أخيراً الحي الثالث، وهو حي النعاثل الى الجنوب والغرب من البلدة، وهذا الحي مكان سكن التجار، وفيه جامع كبير وبضع حدائق، ومنازل غير متناسقة، كما وتوجد قلعة منعزلة قائمة خارج البوابة الجنوبية تدعى «خوتيرن»، وهناك قلعتان أخريتان دائريتان قائمتان على التلال شمال البلدة وجنوبها. ويقدر عدد سكان الهفوف بثلاثين ألف نسمة تقريباً، ويقال أن الحامية العسكرية التركية المتمركزة فيها تتألف من كتيبتين ومدفعين ميدانيين ومدفع جبلي واحد، أو من عدد من الجنود يبلغ في كل القطاعات حوالي ألف رجل.
كذلك يتحدث التقرير عن العقير والمبرز، وأشار إلى أن المبرز: وعلى بعد حوالي ميلين اثنين إلى الشمال من الهفوف تقوم المبرز وهي قرية كبيرة مسوّرة، ويقال أن عدد سكانها أكبر من عدد سكان الهفوف ذاتها، وتضم حصناً مربعاً ومسجداً جميلا، وهنا تصنع العباءات العربية الأنيقة التي تشتهر المبرز بها، وكذلك المنطقة.
وبخصوص العقير أسهب فيها وذكر أن «العجير أو عجير»، هي ميناء الهفوف، ليس فيها سوى خان واحد، أو بالأحرى مكان لتوقف القوافل، بالإضافة الى منزل المدير، وتقع العقير عند مدخل كبير إلى البحر في الجهة الجنوبية الغربية منه، وهذا المدخل يتجه إلى الشمال والغرب والجنوب والشرق وتسدّ مصبّه حافّة رمليّة بشكل جزئي، مما يبقي على قناة عرضها يتراوح بين مائتين وثلاثمائة قدم، تستطع القوارب الولوج منها إلى الميناء، عمق المياه في القناة والجزء الأعظم من الخليج يتراوح بين ثلاث قامات إلى أربع، لكن المياه الضحلة خارج المدخل تمنع السفن من الدخول إلى الخليج.
أمّا الخان، أو المركز الذي تتوقف فيه القوافل فتطلّ واجهته على البحر، ويبلغ طوله مائة وخمسين ياردة، وعرضه ثمانين ياردة، في حين يبلغ ارتفاع الجدران الخارجية ستة عشر قدماً، وتمتدّ فيه الأكواخ على ثلاثة جوانب داخلية فيه، مما يسمح ببقاء شرفة على السطح تبلغ في الارتفاع أربعة أقدام.
توجد مداخل للخان في الواجهتين الأماميّة والخلفية، ولا يوجد على الجهة الجنوبية سوى جدار عال، وخارجه مباشرة يقوم منزل مدير الميناء، وهو عبارة عن مبنى محصّن له مواقع رمي ناتئة ومحصّنة عند زوايا، لكن المنزل قديم متآكل وخرب، وهو يشرف إشرافاً كاملاً على داخل الخان ويطلّ عليه.
ولا يتوقف التقرير البريطاني هنا يل يصف القطيف والدمام في هذه المناطق والتي تمكن الباحث والقارئ من الاستمتاع والمزيد من البحث في مثلها من تقارير.