وجدت نفسي -مثلكم- ضمن قائمة البشر، ولدت لتأدية واجبات، تم تلقيني بنودها عبر مسيرة احتضاني، مع تراكم أحداث السنين، شكلت توجهاتها قوالب عقيدتي بأهميتها، وجدت الواجبات أشبه ببناء تتوسع منافعه بتوسع مداركي، على رأس هذه الواجبات جاءت حكمة «الانتماء» و»الولاء»، وجدتها الأهم ومحور جودة الحياة، وقوتها، وهويتها، وأصالتها.
أن يكون لك «انتماء» فهذا يعني أنك عنصر الماضي والحاضر والمستقبل على أرض تمثلها، أن يكون لك «ولاء» فهذا يعيني أنك أنت الانتماء، مع هذه الآلية الفلسفية وجدت نفسي ألعب شوطا واحدا في ملعب الحياة. كذلك أنتم، هذا الشوط هو زمن عُمر نعيشه.
وجدت الزمن يطحن مادة -ما نسميه- سنين العمر، ذلك يحدث مع طي متناسق أنيق يليق بها. لكن هذا الزمن، وبهذا الطي لطرف نسيجها، يعمل على تجديد مادة حياتنا، يعزز استدامة دفق حيوية عطائها.
حياتنا عملية آلية للتنقية، أشياء منها تذهب ويبقي النافع بتأثير إيجابي يوجه القادم لتحقيق نفع يتجدد، نحن كبشر كالأرض في كل شيء. تبلع حتى ماءها، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد - آية «17»: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء - وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ».
سنوات العمر التهمت بشغف كل عنفوان الشباب، بالمقابل نحن -كبشر- من طوى خط سير زمنها المتجدد. نواصل مهمة الطي جيلا بعد آخر. نحمل الرايات في سباق تتابع لم يتوقف، نقوم بأدوار متتابعة، بعضنا يصل برايته لنقطة تسليم مقاليد الأقدار لأبنائه، بعضنا تخطفه أقدار الفقد فينقطع نسله، ونتيجة لذلك نجد أننا سعداء بأبنائنا فرحا وبهجة. يقول سبحانه في سورة «الكهف - آية 46»: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، تقول العرب: من خلّف ما مات.
بعد هذا العمر طفا السؤال التالي مع بقية الأسئلة الأخرى، ومجاميع تشعباتها: ما المقصود بـ»المال» في هذه الآية، وقد عرفت معنى «البنون»؟ لماذا جاء «البنون» بعد لفظ «المال»؟ أسئلة فلسفية.. تحديد أجوبتها جزء من جودة الحياة، وأيضا جودتنا كبشر في هذه الحياة.
وجدت في حياتي أن المال والبنون أمانة عظيمة، نحن لا نملك أموالنا وأيضا لا نملك ابنائنا، نحن مستأمنون عليهم، هم مُلك لله، عندما ندرك هذا مبكرا فستكون شيخوختنا راحة، ونقاء، ومحبة، وسعادة، وعطاء، وأكثر.
بهذه المقدمة استأذنت نفسي لأبشركم أن شخصي -خلال هذا العام الهجري (1445)- تخطى عتبة السبعة عقود، أي وصلت بداية مرحلة الشيخوخة، وقبل بداية احتفالي -معكم وبكم- بهذه المناسبة، أود التذكير بأن العرب تقول الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، لكن الأكثر أهمية قولهم: الوقت من ذهب. هذا يعني أن العمر بكامله نسيجه من ذهب، السؤال كم يحصد الإنسان من هذا الذهب؟
خلال هذه المسيرة الذهبية لسنين عمري، ما الرصيد الذي تحقق لشخصي، ولمن هم حولي، ولبلدي وأجياله، وللحياة بكاملها إنسها وجنها؟
السعادة الذهبية في رصيد سنين العمر تكمن في مقدار حجم ومساحة منفعتك، وليس في مقدار حجم ومساحة منافعك ومصالحك. ويطفو السؤال: هل هناك علاقة بين «المال» الذي ورد في الآية السابقة والوقت الذي قالت عنه العرب بأنه من ذهب؟ ويستمر الحديث..
@DrAlghamdiMH