د. أحمد الكويتي


الهجرة حدث مهماً، بل من أعظم الأحداث الملهمة، والتي استطاعت أن تغرس في نفوس المسلمين مجموعة من القيم السامية، والتي أعطت للعالم دروساً عظيمة تشهد على عظمة هذا الدين، في الأخذ بالأسباب والثقة بالنجاح وأهمية التخطيط للمستقبل والعطاء الخالص والوصول إلى الهدف المنشود والغاية المقصودة، وأن النبوَّة في الإسلام جاءت مبينة وموضحة ومكملة لكل ما تقدمها من ديانات سماوية، وهو ما أعطاها تميزًا وتفردًا عن غيرها، فقد جاءت بنظرة تكفل للإنسان حقَّه وآدميته وحياته وكرامته.
وينبغي علينا أن نستفيد من الهجرة النبوية، والتي قدمت أروع النماذج وأعظم والدروس وأجمل المعاني المستفادة، والتي لا ينبغي أن تمر على الأمة مرور الكرام، ونرى ذلك ونشهده واضحاً جلياً فور هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة، فقد كتب وثيقة لتنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار، يؤكد فيها على وحدة الأمة من غير تفرقة، والتساوي بينهم في الحقوق والكرامة.
وهنا أول درس ينبغي أن نتعلمه وهو المساواة وعدم التفرقة بين الناس بحسب المنصب أو الجاه وتفضيل قوم على قوم، أو قبيلة على قبيلة، فالكل له نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات؛ ومن هنا تتحد الصفوف، وتتفق الكلمة ولا تختلف، وتظهر الوحدة والتآلف بين أبناء الوطن الواحد يحب بعضهم بعضاً وتنتهي العصبية.. ويواسي بعضهم بعضاً وذلك بالمشاركة في السراء والضراء، والإعانة على قضاء الحوائج، كما فعل الأنصار مع المهاجرين في المدينة، فهم أول من أظهروا المعنى الحقيقي للمؤاخاة.
إن دروس الهجرة إذا أسقطناها على واقعنا المعاصر نجد أنها رسخت للعديد من المفاهيم، ومنها امتلاك الرؤية الثاقبة، وأهمية البذل والتضحية والأمانة، وأداء الحقوق والواجبات، وبناء مفهوم الأمة، وبث روح وثقافة التسامح مع كل من يعيش على أرض الوطن بجميع معتقداتهم الدينية.. إن رأس السنة الهجرية ليست مجرد تاريخ لنودع عاماً، ونستقبل عاماً جديداً، بل هي علامة فارقة في حياة الأمة تتجدد كل عام لتتجدد معها حياتنا، ونعيد فيها ترتيب أوراقنا بشكل أفضل.
وخلاصة القول ينبغي دراسة السيرة النبوية والهجرة النبوية كل عام باعتبارها حدثاً بارزاً في التاريخ الإسلامي، وترسيخا لمبادئ ونهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم خلال الهجرة، وذلك لأنه يعطينا المنهج الصحيح الذي إذا طبقناه في حياتنا اليومية باعتباره منهج حياة لتقدمنا، وأصبح لدينا تخطيط استراتيجي ممتاز، نستطيع أن نحل به كافة المشاكل، ونتغلب على كافة الصعوبات التي تواجهنا، ونحسن منظومة أدائنا في الحياة.

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
@Ahmedkuwait