نعاني كأغلبية كبيرة من الوقوع في فخ عميق اسمه «وهم الانفصال» ، وهو من المفاهيم ذات الصعوبة في فهمها وتطبيقها في حياتنا، لأننا نؤمن بالانفصال بشدة، ونعتبر أنفسنا كوحدة منفصلة ضمن بلايين الوحدات الأخرى، و نطل على العالم من خلال كياننا المنفصل وبأنه الطريق الوحيد للتفاعل مع الواقع الخاص بنا، لكن الحقيقة الكونية هي أننا عالقون في شبكة متبادلة من التبادلية، وكل ما يؤثر على أحدنا بشكل مباشر، يؤثر على الجميع بشكل غير مباشر، مما يلزمنا بضرورة توسيع إدراكنا ليتناغم مع مبدأ الوحدة الكونية التي ترى البشرية كأغنية متجانسة جميلة؛ وتحرير مفاهيمنا من هذا الوهم أو السجن الإدراكي الذي يقيد حدود وجودنا، بالرجوع للوراء مسافة تكفي لرؤية الصورة كاملة، والبدء في النظر إلى أنفسنا كجزء من كيان كبير اسمه الكون، فحيث ينتهي عمل التليسكوب يبدأ عمل الميكروسكوب، أي أننا بحاجة للتنقل بين الرؤية الدقيقة والصورة الكبيرة حتى نتمكن من استيعاب فكرة البشرية ذات الكيان الواحد، فأنت وأنا نجعل كيان البشرية يكتمل، و إذا افتقد عدد كبير منا لهذا الانسجام والتوافق والتوازن فسوف يمرض هذا الكيان.
وهذا هو المنظور الذي يجب أن نستخدمه لكى نفهم ونبدأ في الحياة وفقا لمبدأ الكيان الواحد، و من الطبيعي أن يكون هناك صراع بين أن تكون فريدا ومميزا وبين أن نحيا وفقا لمبدأ الكيان الواحد، لكننا حين ندرك كيف يعمل مبدأ الوحدة في هذا الكون اللا متناهي ؛ سوف نبدأ في جعل هذا المبدأ يعمل لصالح كل منا، ولصالح هذه الأغنية التي نصنعها بأسرها، وسوف نستشعر التجانس بداخلنا، وسوف يشع هذا الانسجام للآخرين ليجعل من هذه الأغنية الواحدة لحناً جميلاً يتناغم تناغماً تاماً مع جميع العناصر التي تكوّن هذا الكون.
ولتوضيح الفكرة أكثر سنتحدث عن «ظاهرة القرد المائة» التي تمّ رصدها من قبل علماء يابانيين كانوا يدرسون مجموعة من القردة بالقرب من ساحل اليابان، عندما بدأ أحد القردة في غسل إحدى قطع البطاطا بطريقة معينة في المياه المالحة، وسرعان ما بدأت القردة في تقليـد هـذا القرد فيما يفعله. وعندما وصل عدد القردة للمائة، بدأ نفس السلوك يظهر لدى مجموعة أخرى من القردة على مسافة مئات الأميال، على الرغم من أن المجموعتين ليس بينهما أي اتصال مادى مباشر، فالقرد رقم مائة يرمز لما يسميه العلماء الكتلة الحرجة داخل النوع، وتقول النظريات إنه بمجرد الوصول إلى رقم الكتلة الحرجة، يبدأ نفس السلوك في الظهور لدى باقى الأعضاء الآخرين من نفس الفصيلة.
ويبدو هذا حقيقيا بالنسبة لجميع الفصائل والأنواع، فعندما تبدأ الكتلة الحرجة من أعضائها في التصرف أو التفكير بطريقة معينة، يقوم باقى الأعضاء الآخرين في نفس النوع أو الفصيلة بنفس العمل أو التفكير الذي تقوم به الكتلة الحرجة، ويكفي أن تستشعر المضمون المذهل لهذا المفهوم، فهو يشكل حجر الأساس العلمي لفكرة الكيان الواحد، فإذا بدأ عدد كاف ممن يشتركون في نفس الكيان الحي الذي يسمى البشرية في التفكير والتصرف بطرق متجانسة وودية فسوف نستطيع أن نؤثر في الكيان الكلى الذي يسمى الجنس البشرى.
فكلما ازداد عدد الناجين من وهم الانفصال، كلما أصبح الضغط كبيراً جداً لصالح قيم الانسجام و مبدأ الكيان الواحد، وكل هذه العملية تبدأ بخطوة شجاعة من تصرف القرد المختلف مع قطعة البطاطا، ثم القرد الذي يليه وهكذا، حتى نصل إلى الكتلة الحرجة، وإن شخصاً واحداً لديه قوة الإيمان بأن «أنا هو نحن» سيصبح فكره هو الأغلبية من خلال عملية الوعى الجمعي.
LamaAlghalayini@