أ. د. مسفر الوادعي


إن المتأمل في واقع الناس يلحظ انقسامهم وفق منظومتين عقليتين لإدارة الحياة والتعامل معها، فمنظومة عقلية الوفرة المرتكزة على التأمل والتروي والاتزان في التعامل مع الحياة وفرصها، والآخرين وأساليبهم، وتنطلق من أن العالم يكفي للجميع وبه من الموارد والفرص ما يستوعب الأفراد، ويتسم المتعاملون بها بسعة الأفق واستيعاب الجميع، والإيمان بالقيمة الشخصية للآخرين، ومشاركتهم الوجاهة والتقدير واتخاذ القرارات، وإتاحة المجال لمشاركة الآخرين إبداعهم وابتكاراتهم، وتعزيز التفاعل الاجتماعي، وإيجاد البدائل لذواتهم وللآخرين.
وفي المقابل تبرز منظومة عقلية الندرة المعمقة لمفهوم الفردانية والأنانية والتمركز على الذات، والسعي وراء الفرص دون الاهتمام بالآخرين ومشاركتهم، والتحالف معهم لتحقيق أهداف عدة وبمساحة ناجح واسعة؛ ولذا يتصف المتعاملون وفقها بانحسار حيز التقدير والمكافأة والمنح وتفويض السلطة للآخرين حتى مع أخص أعوانهم وخُلُص أصحابهم، وتنزل بهم النوازل وتطرقهم الطوارق إذا ما علموا بتميز أحد وتفوقه ولو كانوا من ذوي العصبة والسبب، يعضون نواجذهم وتضطرب أفئدتهم حنقاً، وإن اضطرّوا مجاملة للتعبير عن فرحهم وسعادتهم واغتباطهم بما حققه الآخرون فهو من قبيل ترقب الأفعى لفريستها، والسنور لضحيته، كما أنهم في ترقب دائم لوقوع الآخرين في فخ سوء الحظ والتقلب في مصائب الحياة ومتاعبها، منشغولون بمقارنة ذواتهم مع الآخرين والتسخط على أقدار الله، يتسمون بالديكتاتورية والسلطوية على الآخرين، ويحبطون ذواتهم بالضعفاء وذوي الطاقات المحدودة، فكم من كفاءة قُتلت في مهدها، وكم من طاقة غادرت ميدان الإنجاز والنجاح بسببهم؟!
وختاماً: الإيمان والرضى بما قسم الله تعالى نعمة ربانية ومنحة إلهية، يختص الله بها أوليائه وأحبابه، وبهما تُنال سعادة الأولى والآخرة، اهتمامنا بذواتنا وتقديرنا للآخرين بوابة لتحقيق النجاحات والمنجزات المتتالية، فكم نحن بحاجة لاكتشاف ذواتنا وطرائق تفكيرنا، والعمل على تهذيبها وتزكيتها وفق منهج رباني لننعم بسعادة الدنيا والآخرة.
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
@mesfer753