في مرحلة الشيخوخة هل تتصارع الطموحات وتتنافس؟ هل تتزاحم أمام بوابة الخروج نحو التطبيق؟ لم أعش بعد هذه المرحلة. لكن التوقعات المنطقية لها إيحاءات، كل سؤال يحمل إجابته، البعض يتوه في هذه الإجابة ومعها، طرح الأسئلة على النفس يجلي صدأها، يجدد بريق لمعان أيامها وسنين عمرها، وينمي مداركها، الحياة سؤالنا الكبير الدائم الحضور. البعض لا يملك ثروة طرح الأسئلة على نفسه.
الطموح ليس أبعاد مساحة بدون نهايات، الطموح شغف يأتي كثمرة لأشياء تزيد أهميتها بزيادة شأنها، ومنفعتها، ودورها، ووظيفتها، هناك من يخلق الطموح، هناك من يقتله ويدمره، هناك من يدمر صاحبه. وهناك من يتبنى صاحبه، قوالب عشتها جميعا في مراحل مختلفة من حياتي، ما زلت أدعو للبعض عرفنا بجميلهم، وأدعو على البعض الذي نصب نفسه جزء من التحديات والعراقيل في طريقي.
يسألني البعض: هل بقي لك طموحات مع مرحلة الشيخوخة؟ من يطرح هذا السؤال شخص يعيش أسيرا لمعتقدات تدعوه لتحضير نفسه للموت النهائي. معتقداته تعطل دوره في مجال العمل، وبناء الأرض، معتقداته تعمل لتثبيط طاقاته النافعة، من يطرح هذا السؤال يسعى عمدا لوقف برنامج قوة عقله وإلغاء نفعه عنوة، يسعى لضم الآخرين إلى طابوره.. من يطرح هذا السؤال شخص مخطوف، مكبل بحبال الحياة الهامشية، يؤدي دوره الأساسي في الحفاظ على البقاء بنسل يكرر فيه نفسه.
وجدت مع دخولي مرحلة الشيخوخة، أن قدرات العقل لا تتوقف، كذلك الطموحات والآمال، جميعها تتجدد وفق مسارات تناسب المرحلة، تتوسع مدارك العقل دوما، يتوقف على حامله. هناك عقول مكبلة ومغلقة. بعضها نتنة بتوجهات حاملها المريضة، يتم توريثها أيضا.. نبني العقول ونعمرها للهدم الضار أو للبناء النافع أو نجعلها في موقف المتفرج.
الحياة لا تتجدد، هي خط زمن يعتليه البشر، قدرات العقل هي التي تتجدد، البشر هم الحياة نفسها. يتجددون في سحناتهم. يتكاثرون في أعدادهم. يرسمون بعقولهم مسارات ومكونات ما نسميها الحياة «البقاء»، البعض يجعل البقاء نقطة انطلاق للعقل نحو النجوم. مراحل حياتي أثبتت لشخصي بأنني كنت منهم، أقول هذا بفخر، ذلك بتفعيل قانون المقارنة العادل.
هل سألتم يوما أنفسكم عن طموح الفرد المستدام مع كل مراحل حياته؟ ما هو هذا الطموح المستدام؟ وجدت هذا السؤال وجوابه مع بداية مرحلة شيخوختي: أن يظل حيّا أطول فترة ممكنة. هذا طموح غريزي. طموح يأتي مع برمجة الجسد ومكوناته، هذا يعني أن مهمة الإنسان الأولى هي البقاء من خلال نفسه، ونسله، ونتيجة لذلك نجد أن الانتحار مرض يأس.. مع وقوع الموت ولحظة خروج الروح، نجد -طبيا- أن الحيوانات المنوية هي آخر ما يخرج من صلب جسم الإنسان، ما دلالة هذا الأمر؟ هل تخرج بحثا عن طموح البقاء؟ أعتقد بذلك.
مع الطموحات المكتسبة وجدت أن الفرد هو كتلة طموحاته الشخصية، وتطلعاته، وأماله. وتتعدد مع كبر مساحة استيعابه. وجدت أن ما يتحقق من الطموحات في الحياة يعتلي بحامليها منابر العلو بين البشر. لكن هذا قانون تلغيه الواسطة والمحسوبية بتجاوزاتها وفسادها. تجعل الجميع يعيش على هامش الحياة كالأنعام، وليومها فقط. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH