أوجدت التطورات الاقتصادية الهائلة التي شهدتها بلادنا حالة من الشغف بين المواطنين، خاصةً المتحمسين منهم للأفكار الإبداعية المطروحة في إطار «رؤية المملكة 2030»، يعكس هذا الشغف الطموح الكبير الذي يتبناه سمو سيدي ولي العهد، عراب الرؤية، الأمير محمد بن سلمان، الذي قال: «طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه. فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم».
سأتحدث في مقالة اليوم عن استراتيجية تطوير المناطق التي تعد بمثابة منهجية أسستها قيادتنا الرشيدة لتحقيق التنمية الشاملة في جميع المحافظات والمدن، تعتبر هذه الاستراتيجية خطة شاملة وطويلة المدى تستند إلى رؤية المملكة 2030، وتهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من مزايا ومكامن القوة الفريدة لكل منطقة، وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تحليل ودراسة الفجوات التنموية وتقديم حلول مبتكرة عبر مشاريع ومبادرات وبرامج استراتيجية.
ويتساءل البعض: «كيف يمكن لخطة أن تغير واقع منطقة كاملة»، الواقع أن هذه الخطة تلبي احتياجات كل منطقة، وتعتمد على نهج علمي يتيح للقائمين عليها الوصول إلى المستهدفات بأعلى مستوى من الكفاءة، وبأقل تكلفة، وفي وقت وجيز، إذ تسعى استراتيجية تطوير المناطق إلى تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التنوع الاقتصادي من خلال استكشاف وتحديد الموارد المتاحة، وتطوير مشاريع ومبادرات تتناسب مع طبيعة كل منطقة.
إن إعداد وبناء استراتيجية التطوير يمر بعدة مراحل مهمة، تبدأ بتشكيل فرق عمل متخصصة من قبل هيئات التطوير، ويتم دعم هذه الفرق بشركاء استراتيجيين عالميين ذوي خبرة في إعداد وتطوير الاستراتيجيات الوطنية، تهدف هذه الفرق إلى دراسة الوضع الراهن للمناطق وتحديد مكامن القوة الفريدة في كل منطقة.
وينتج عن هذه الدراسة تصميم ما يُعرف بالبيت الاستراتيجي، الذي يشمل وضع رؤية واضحة لتطوير المنطقة «Vision»، وتحديد عناصر القوة والميز النسبية لكل منطقة.
على سبيل المثال، تتميز منطقة عسير بطقسها المعتدل وطبيعتها الخلابة، بينما تتفرد مكة المكرمة والمدينة المنورة بوجود الحرمين الشريفين بالإضافة إلى الإرث التاريخي الغني، كذلك، تمتاز المدن الساحلية بشواطئها الجميلة التي تجذب الزوار.
ويشمل البيت الاستراتيجي الممكنات والتي نقصد بها مشاريع البنية التحتية والمشاريع الداعمة لعناصر القوة ومميزات المنطقة ،كما يتضمن البيت الاستراتيجي تحديد أدوار الجهات التنموية ذات العلاقة لضمان تحقيق التكامل والتعاون بين جميع الأطراف.
ومن ثم يتم حصر المشاريع والمبادرات التنموية القائمة والمخطط تنفيذها حتى عام 2030م، سواء من القطاع الحكومي أو الخاص، وهنا يحرص القائمون على وضع استراتيجيات تطوير المناطق على التنسيق والمواءمة بين جهود جميع الوزارات والهيئات الشريكة، لضمان وجود تناغم وتكامل بين مسارات العمل المختلفة، وتتم المواءمة مع جميع الجهات المعنية، فعلى سبيل المثال، يتم التنسيق مع منظومة السياحة بهدف خلق وجهات سياحية جاذبة في مجالات التراث والفندقة والترفيه، وتحديد الأماكن المناسبة لأهالي المنطقة والزوار والسياح، ومثل ذلك يتم مع بقية القطاعات التنموية الهامة كالصحة والتعليم والإسكان وغيرها.
نتيجة لهذه المواءمات، يتم تحديد مواقع جميع المشاريع المعتمدة والمخطط لها، مما يتيح رؤية واضحة بشأن جميع المشاريع خلال السنوات القادمة، وتلتزم جميع القطاعات باقتراح مشاريع ومبادرات لسد الفجوات التنموية وتحقيق المستهدفات المرجوة.
وتحقيقًا لهذه الأهداف، يتم إعداد خطط تنفيذية تتضمن مؤشرات لقياس الأداء وجداول زمنية، بالإضافة إلى مقترحات لحوكمة التنفيذ والمتابعة، هذه الخطوة تمثل المرحلة النهائية قبل عرض الاستراتيجية على مجلس هيئة التطوير لإقرارها، ومن ثم رفعها إلى الجهات واللجان المعنية في مركز الحكومة للمراجعة والاعتماد، ليتم إطلاقها رسميًا من قبل سمو ولي العهد.
لتوضيح المفهوم بشكل أكبر، وكيفية تطبيق استراتيجية تطوير المناطق بشكل فعّال، لنأخذ منطقة عسير كمثال، إذ تُعد عسير حالة نموذجية لتطبيق استراتيجية تطوير المناطق، حيث تتميز بطبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل، مما يجعلها وجهة سياحية مميزة، هنا تسعى الاستراتيجية إلى استغلال هذه الميزات الطبيعية من خلال تطوير البنية التحتية السياحية، مثل الفنادق والمنتجعات، وتعزيز الفعاليات السياحية والثقافية التي تجذب السياح من داخل وخارج المملكة، بالإضافة إلى ذلك، تهدف الاستراتيجية إلى تحسين الخدمات العامة في المنطقة، مما يعزز من جودة الحياة للمواطنين والمقيمين ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
من خلال هذا المثال، يتبين كيف يمكن لاستراتيجية تطوير المناطق أن تحقق أقصى استفادة من المزايا الفريدة لكل منطقة، وتعزز من قدراتها التنافسية.
أختم بالتأكيد على أنه مع وجود هذه الاستراتيجيات، تكون المملكة قد وضعت أسسًا قوية لتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة في جميع مناطقها، مما يسهم في تحقيق رؤية 2030 وجعل المملكة نموذجًا عالميًا في التنمية الشاملة والاستدامة.
الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير المنطقة الشرقية