الحوكمة الإدارية ضرورة لا غنى عنها لضمان سير العمل بكفاءة وفعالية، ومن تحدياتها التنصل من المسؤولية خوفاً من المسائلة، ما يتسبب في الفوضى الإدارية بسبب تفاقم مشكلات عدم الانضباط والامتثال والتي تخلق بيئة عمل غير صحية.
في فضيحة «إنرون» بالولايات المتحدة، التي تُعتبر من أكبر فضائح الشركات في التاريخ، كشفت الفوضى الإدارية والتنصل من المسؤولية عن خسائر هائلة وأدت إلى انهيار الشركة في عام 2001، وتسبب هذا الفشل في فقدان الآلاف من الموظفين لوظائفهم وتبديد مليارات الدولارات من أموال المستثمرين، كانت الفضيحة نتيجة لتجاهل اللوائح التنظيمية والتلاعب في المحاسبة، مما أضر بالاقتصاد وأثر سلباً على ثقة الجمهور في النظام المالي.
تتمثل الحوكمة الإدارية الجيدة في القدرة على تحقيق توازن بين الرقابة والدعم، وبين الالتزام باللوائح والمرونة في التعامل مع المتغيرات.
يتطلب ذلك من القيادات الإدارية تطوير مهاراتها في إدارة الأفراد وتحفيزهم، وتوفير الفرص للتدريب والتطوير المستمر. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون التعليمات والتوجيهات واضحة ومكتوبة، لضمان عدم وجود تفسيرات متضاربة أو غير دقيقة تسهم في خلق الفوضى.
في المملكة، تعد مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة المقرة من مجلس الوزراء مرجعاً أساسياً للعاملين في القطاع العام في المملكة العربية السعودية، إذ تحدد معايير التصرف المهني وأسس التعامل بين العاملين ورؤسائهم، حيث تنص المادة التاسعة من هذه المدونة على ضرورة احترام التسلسل الإداري وتنفيذ الأوامر، ما لم تكن مخالفة للقوانين والأنظمة النافذة، وهنا يكمن جوهر المسؤولية، حيث يجب على الموظف العام أن يكون واعياً بتأثير تصرفاته على البيئة المحيطة، وأن يتصرف بموضوعية وصدق ، من ناحية أخرى، تبرز المادة الحادية عشرة ضرورة أن يكون الرئيس قدوة حسنة لموظفيه من حيث الالتزام بالأنظمة والتعليمات، هذا يتطلب من القيادات الإدارية ليس فقط توجيه الأوامر والتعليمات، بل أيضاً توفير الدعم اللازم وتطوير القدرات المهنية للمرؤوسين، فالرئيس الناجح هو الذي يسعى لتوفير بيئة عمل تشجع على النمو والتطور، وتحقيق الأهداف المشتركة.
في السعودية، يهدف التحول الوطني 2030 إلى تطوير القطاع الصحي من خلال تعزيز الحوكمة وتحسين جودة الخدمات، ومع ذلك، قد يواجه هذا التحول مقاومة من بعض الجهات التي تتسم بالترهل الإداري وضعف الالتزام باللوائح التنظيمية التي تنظم علاقة الرئيس بالمرؤوس، وتتسبب في عرقلة تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتحقيق الأهداف المرجوة، وتكمن هنا أهمية تحمل المسؤولية والمساءلة والشفافية ومواجهة التحديات لضمان نجاح هذه التحولات وتحقيق الأهداف الصحية الوطنية وتقديم خدمات ذات جودة عالية.
في الولايات المتحدة، أظهرت أزمة وباء «COVID-19» أهمية الحوكمة الجيدة في القطاع الصحي، كانت الأنظمة الصحية التي تتمتع بهياكل إدارية فعالة وقدرات قيادية واضحة قادرة على التعامل مع الأزمة بشكل أفضل، بينما واجهت الأنظمة ذات الإدارة المترهلة تحديات كبيرة في التنسيق وتوفير الرعاية اللازمة. هذا يؤكد على أهمية وجود نظم حوكمة قوية تضمن الاستجابة السريعة والتنسيق الفعال في حالات الطوارئ.
الحوكمة الإدارية ركيزة أساسية لتحقيق النجاح المؤسسي، من خلال الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، يمكن للإدارات تحقيق التميز والريادة في أداء واجباتها. يتطلب ذلك من الجميع، رؤساء ومرؤوسين، التعاون والعمل بروح الفريق لتحقيق الأهداف المشتركة وخدمة المصلحة العامة.
@DrLalibrahim