على مشارف المرحلة المتوسطة قرأت رواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» للمرة الأولى في غرفة صغيرة على السطوح.
الغرفة كانت لأخي فالح في بيتنا القديم، كنت قد قرأت عن الرواية فتمنيت أن أطلع عليها، وعندما وجدتها أصبحت فرحتي لا توصف.
غرفة السطوح أطللت من خلالها على عالم مختلف مملوء بالتحديات والصراعات الثقافية. أحداثها مثيرة ومشوقة، وحكاية مصطفى سعيد كانت تلفني بغموضها وتعقيداتها.
كنت حينها شابا يافعا، مملوءا بالفضول والرغبة في استكشاف العالم من حولي.
شخصيات الرواية بدت لي رموزا للتمرد والبحث عن الذات. شعرت بتعاطف كبير مع مصطفى سعيد ورحلته في البحث عن هوية جديدة في عالم مختلف، كانت الرواية بمثابة مغامرة أدبية، تفتح لي آفاقا جديدة وتثير في نفسي التساؤلات.
عندما قرأت الرواية مرة ثانية، كانت نظرتي لها قد تغيرت تماما، كنت أقف على مشارف الخمسين، لم تعد الرواية مجرد حكاية عن تمرد أو بحث عن الذات، بل أصبحت نصا يعكس تعقيدات الهوية والصراع الثقافي بين الشرق والغرب.
أصبحت أرى في مصطفى سعيد شخصية مركبة، تعبر عن تناقضات الإنسان المعاصر الذي يعيش بين ثقافتين، لم يعد مصطفى بطلا، بل أصبح رمزًا للضياع والبحث المستمر عن معنى الحياة.
تجربة القراءة الثانية مكتنزة بالتحليل والتفكير العميق. تحولت نظرتي للأحداث من رؤية سطحية إلى فهم أعمق للأبعاد النفسية والاجتماعية التي تطرحها الرواية.
تغيرت نظرتي لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال» بين المراهقة والمرحلة التي أعقبتها بشكل كبير، من مجرد قصة مشوقة إلى نص أدبي يعكس التعقيدات.
القراءة الأولى كانت بداية لفهم أعمق للعالم، أما الثانية فأضحت تأملا في التجربة الإنسانية بعمقها وتناقضاتها.
نهاية:
غرفة السطوح.. نقلتني من الصراعات الثقافية إلى النقد الحاد.
@karimalfaleh