د. لمياء البراهيم


نظرية «ماوسلوا» ترى بأن الإنسان بحاجة لإشباع حاجاته الأساسية بالتدرج حتى يكمل طموحه للاحتياجات الأعلى كي يصل لقمة الاحتياجات الإنسانية وهي تحقيق الذات.
وقد وضع هرم «ماوسلو» الحاجة للأمان في المستوى الثاني من الاحتياجات بعد الاحتياجات الفسيولوجية، وبينما يكون الحرمان من الحاجات الفسيولوجية كالطعام والشراب ملموساً ويسهل الحديث فيه، فحاجات الأمان النفسي قد لا تكون واضحة ومفهومة.
الأمان النفسي هو شعور بالثقة والراحة والاستقرار في العلاقة، حيث يشعر الأفراد بأنهم مقبولون ومحبوبون ومقدرون من قبل الطرف الآخر، وهو عنصر أساسياً للعلاقات الصحية والمستدامة، سواء كانت تلك العلاقات عائلية أو صداقة أو علاقة زوجية أو مهنية.
في العلاقات غير الآمنة، قد يستخدم أحد الأطراف التلاعب العاطفي للسيطرة على الآخر أو لتحقيق أهدافه الشخصية، يمكن أن يشمل ذلك استخدام الشعور بالذنب، التهديدات، أو الانسحاب العاطفي كوسيلة للضغط، النقد الدائم وعدم التقدير يمكن أن يدمر الشعور بالأمان النفسي عندما يشعر الشخص بأنه دائماً تحت المجهر وأنه لا يستطيع تحقيق رضا الطرف الآخر، ما يخلق بيئة من القلق والضغط والتأثير السلبي على الصحة، وعلى القرارات التي يتخذها المرء.
العلاقات غير الأمنة تتسبب في عدم الاستقرار العاطفي حيث يكون هناك تقلبات عاطفية مستمرة وعدم استقرار في المشاعر، يمكن أن يكون هناك تناوب بين الحب والغضب، والقبول والرفض، مما يجعل الأفراد يشعرون بعدم اليقين والخوف، ويزداد الحرمان من الأمان النفسي في حال الغياب المتكرر للطرف الآخر، سواء كان ذلك جسدياً أو عاطفيا، عندما يشعر الشخص بأنه مُهمل أو غير مهم.
في عالم مليء بالتحديات والمواقف التي تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة، يجد المرء نفسه أحيانًا أمام مفترق طرق يتطلب الاختيار بين الراحة النفسية وبين الاستمرار في وضع يضع المرء في ضغوط تؤثر على صحته النفسية والجسدية وتعيقه عن التقدم في احتياجاته الأساسية، هذه القرارات، رغم صعوبتها وعدم وضوح أسبابها للآخرين يتطلب شجاعة لأن غالبا ما تكون هذه القرارات مؤلمة أو صعبة وقد لا تجد تعاطفاُ، لكنها تحقق للمرء السلام الداخلي والرضا الشخصي، فالعلاقات السامة تستنزف الطاقة وتؤثر سلبًا على الصحة النفسية، والشعور المستمر بعدم الراحة والانزعاج هو مؤشر قوي على الحاجة لإعادة النظر في مسار العلاقة.
الوقوف عند مفترق الطرق ليس سهلًا، خاصة عندما تكون القرارات مرتبطة بالأسرة أو المهنة، والحياة مليئة بالتحديات التي تتطلب الشجاعة والحكمة لاتخاذ القرارات التي تناسب المرء وتحقق له الأمان النفسي، والبحث عن الراحة النفسية ليس أنانية، بل هو جزء أساسي من الوعي بالذات لتحقيق السلام الداخلي، حتى لو كانت تلك القرارات صعبة وغير مفهومة للآخرين، في نهاية المطاف، نحن جميعًا نستحق أن نعيش حياة مليئة بالسعادة والرضا النفسي.
@DrLalibrahim