الوقت في الشيخوخة هو نفسه في جميع مراحل العمر، ولكل مرحلة حزمة أحكام يجب عدم تجاوزها، مدخرات الفرد في شيخوخته هي إمكانياته، يوجهها لصالح مرحلتها، الصحة من المدخرات الأهم، استثمار الوقت يأتي قبلها، فماذا تختار يا زميل الحياة؟
تلازم الصحة والوقت مهم في جميع مراحل الحياة، تتعاظم الأهمية في مرحلة الشيخوخة وما بعدها، تقول العرب: العقل السليم في الجسم السليم. لكن هناك عقول سليمة في أجسام عليلة حققت إنجازات للبشرية ولنفسها، الطاقات التي استودعها الله في البشر تعمل تحت أي ظرف، تعطيلها يتم بطرق مقصودة وأخرى غير مقصودة.
وقفت مع بداية شيخوختي أمام شاب لا أعرفه، قال بأنه في ثالث متوسط، يبيع شاي في مكان سياحي، رأيته متّقد الحماس، متفاعل، يشع من وجهه نور المستقبل، سألته: ماذا تود أن تكون في كبرك؟ لم يستطع تقديم إجابة متفائلة، حزنت عليه رغم حسن تصرفه مع زبائنه. حزني كان أكبر على المدرسين في مدرسته، يقدمون لنا طلابا ليس لطاقاتهم أي تطلعات.
بالمقارنة.. أفضل مراحل تعليمي كانت المرحلة المتوسطة. استفدت منها في منهج حياتي، ودراساتي العليا، وحتى اليوم، كل ذلك كان بسبب الأستاذ صاحب الرسالة، وليس المدرسة كوعاء حاضن، والمنهج كوعاء علم. «قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّه التَبجيلا.. كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا».
أساتذتي كانوا يبذرون البذور الطموحة النافعة في عقولنا كطلاب، ويجسدون لها قدوة من الحياة، لتبقى في الذهن، تنبت في تربة العقل وفقا لمتطلبات مراحل التعليم والحياة، بفخر أذكر استاذي «عثمان الشاعر»، توفي عام 1982 -يرحمه الله - زرع في نفسي، قيم الخير والعطاء والمثابرة، قيم الانتماء والولاء. قيم أبقته حيا وبطلا في نفسي. عرفت قيمته أكثر في مرحلة الدراسات العليا، جعلني بطل المثابرة، والتطلعات، والشغف، والتحدي، والالتزام. وكان يضرب الأمثلة بأشخاص كقدوة، لتبقى حية لا تموت.
إلى المدرسين -زملاء الرسالة- في جميع المراحل، اتركوا أثرا طيبا يقود الطلاب وسط التحديات، خذوا باهتمامهم وفكرهم نحو النجوم شغفا وطموحا، التدريس ليس وظيفة فحسب، لكنه رسالة إنسانية. مهمة أنبياء ورسل، أنتم وكلاء المجتمع، تشكلون مستقبل الطالب.
المدرس يبني قدرات الطالب، يجعلها تتجدد تلقائيا مع الزمن. يبني معارف الطالب، يجعلها تتجدد تلقائيا مع الزمن، يبني اتجاهات الطالب، يجعلها تتجدد تلقائيا مع الزمن، يبني مهارات الطالب، يجعلها تتجدد تلقائيا مع الزمن، المدرس يصوغ الطالب ويشكل نفعه، المدرس مهندس يوسع مدارك الطالب بالتعليم، ويجهزه بالمعرفة، لمواجهة التحديات والتغلب عليها.
في هذه المرحلة الحضارية لبلدنا - حفظه الله -، نحتاج مدرس استثنائي يعزز المستقبل بطلاب هم المستقبل نفسه، التعليم أهم عنصر لصناعة المستقبل، التعليم يصنع التوجه، يصنع الجودة، يصنع الإتقان، يصنع الفكر، يصنع التطلع، يصنع المثابرة، يصنع استثمار الوقت، يصنع المهارات والقيم والسلوكيات والتنافس الشريف، التعليم يحمل مفاتيح نجاح الحياة الأفضل، بدون مدرس كفء لن تتحقق.
الاهتمام بالمدرس وتكريمه هو اهتمام بالمستقبل، المدرس صانع الأجيال، يحمل المسؤوليات الجسام، خطأ الطبيب يقتل مريضا، وخطأ المدرس يقتل مجتمعا ومستقبلا، علينا بناء المدرس جودة، وفكرا، وإتقانا، والتزاما، ومنهج حياة، تقول العرب: فاقد الشيء لا يعطيه. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH