محمد علي الحسيني


في زمن تسود فيه الفتن والمصاعب، تأتي شريعتنا الإسلامية الغراء كمنارة تهدي السائرين في الطريق المظلم، ولتهون عليهم تحديات الحياة ومدلهماتها شرعت مجموعة من التعاليم، من بينها حديث نبوي شريف يبعث في النفس الأمل ويشرح الصدر: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». هذا الحديث، الذي يحمل في طياته معان عميقة وعظيمة، يعطي للمسلم درساً بليغاً في كيفية التعامل مع الأخرين في مختلف السياقات الحياتية، وجعل الصلح أساس استمرار العلاقات بين الناس والمجتمعات والأمم، وهو القائل سبحانه «إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم».

«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» تصحيح المفاهيم، للوهلة الأولى، قد يبدو الحديث قابلا للتأويل مما يستدعي توضيحًا دقيقًا لمعانيه، فالمسلم مطالب بنصرة أخيه سواء كان مظلومًا أو ظالمًا، لكن النصرة هنا لا تعني إقرار الباطل أو التعدي على الآخرين، بل تتضمن دلالات أعمق تتعلق بالخير والإصلاح.
توضيح الفهم الخاطئ للحديث، كثيرًا ما فُهم هذا الحديث على نحو يتنافى مع أصول العدل والمروءة التي جاءت بها رسالتنا السمحاء، فالبعض ظن أن معنى الحديث يشجع على مساعدة المظلوم ظالمًا كان أم مظلوماً، دون النظر في أمر العدل والإصلاح، هذا فهم خطير يضرب القيم الاخلاقية للإسلام، كما أنه تصورمغلوط يجافي قصد الشرع.

كيفية نصرة المظلوم ودعم حقوقه، إن الوقوف إلى جانب المظلوم يكون بتقديم العون له، ورفع صوت الحق والعدالة،
وتقديم الدعم المعنوي والنفسي إلى جانب الدعم المادي إذا لزم الأمر.
أما نصرة الظالم فيكون بمنعه من الظلم فالله - سبحانه وتعالى - قال في محكم تنزيله «إنه لايحب الظالمين»، بل وإرشاده إلى الصواب وتوجيهه نحو الإصلاح، ناهيك عن كف يده عن الظلم وإحاطته بنصح يعيده إلى رشده، والعمل على إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين عملا بقوله تعالى: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم».
أمثلة توضيحية لتطبيق الحديث، لنتخذ مثالًا عمليًا كشخص ينوي إلحاق الضرر بالآخرين، هنا يأتي دور المسلم في منعه وتوجيهه عن طريق الحوار البناء والنصح الخالص، وذلك ليس فقط حفاظًا على النسيج الاجتماعي ولكن أيضًا تطبيقًا لمبدأ الإصلاح الذي يحث عليه ديننا، «والصلح خير».

أهمية منع التهلكة والمفاسد في المجتمع، إن منع التهلكة والمفاسد يعد من أولويات المسلم في سعيه لنشر السلام والأمان في المجتمع، وهنا نضرب مثلا بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار -: «مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك، قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»، حيث أن التدخل في الوقت المناسب لمنع الظالم من ظلمه يمكن أن يحول دون كثير من المشاكل والفتن التي قد تقع لولا ذلك التدخل، بمعنى آخر، نصرة الظالم بمنعه من الظلم هي في حقيقتها نصرة للمجتمع بأسره.
@sayidelhusseini