لا يختلف اثنان عن الأهمية التاريخية للقهوة العربية وهي جزء من تراثنا والمستمد من مئات السنين وربما آلافه، ومنذ أن بدأ انتشار القهوة كمشروب بالعهد العثماني، بدأ معه انتشار تلك المقاهي المعدة له.
والقهوة السعودية تختلف عن تلك من القهوة التركية بكونها افتح لونا ويضاف إليها نكهات كالهال أو القرنفل، وكانت بالقديم تعد القهوة في عدة دلال صغيرها لإعداد النكهة وحتى لا تكون مرة، ودلة الغلي للقهوة وهي كبيرة بالغالب ثم دلة التقديم وهي الأجمل شكلا، وقد تفنن أهل الأحساء بصناعة الدلة بشكل جمالي مبهر حتى أن قلد التصميم لها في الخليج وفي سوريا، ولا زالت تلك الدلال القديمة تباع بالمزادات التراثية ولها هواة كثر بأنواعها إلا أن مازال أغلاها هي الدلال الأحسائية، البعض منها له علامة صانعها والبعض الآخر يفتقر لها إلا أن المتخصصين ملمين بأنواعها وصانعيها.
ولا تكون قهوة إلا بأدوات صنعها، وهناك خلط عند البعض عن الدلة القرشية أن موطنها مكة وهو غير ذلك تماما وربما إن اختلط الاسم عند البعض وظن أنه من قريش، فالدلة القرشية كتصميم ابتكرت بالأحساء في القرن الحادي عشر الهجري وتسمى مهنة صنع الدلال بالأحساء «القرشان» وهي كلمة مستمدة من طرق صناعتها. وهناك أحياء في الأحساء وقصص متوارثة بخصوص محلة نشأتها وصناعها بالقديم، وما لبثت أن انتشرت كتصميم بأنحاء العديد من البلدان حيث قلد صناعتها في الخليج والشام ومكة المكرمة.
إلا أن موطنها الأصلي الأحساء حيث ابتكرت كتصميم ولا زالت هي الأغلى ثمنا والأبدع اتقانا بصنعها، ومن ميزاتها نقوشها المستمدة من البيئة الثقافية المحلية والتي لا نزال نراها بتلك النقوش الجصية القديمة، ومن قمة الابداع توظيف العناصر الجمالية بإدخال النخلة كما مع كرب النخيل بالتصميم والخيل العربي بجماله، كذلك من الدلال المعروفة دلة رسلان وهي نمط من دلال الأحساء وظف في الشام وانتشر بشكل واسع، والدلال الشامية بالعموم تختلف بشكلها بالغالب.
وعن تاريخ القهوة يذكر أن بريطانيا أثناء عصرها الذهبي أول من نشرها عالميا انطلاقا من اثيوبيا وغالب ما يأتينا اليوم من الخارج هو من البرازيل التي نجحت وبشكل باهر في زراعة تلك النبتة وتجارتها العالمية. وهناك جدل حول موطنها ولي رأي في ذلك فقد شاهدتها بأودية جبال بلاد غامد في حالتها الطبيعية غير مزروعة منذ أكثر من خمس وعشرون عاما مما يؤكد أن النبتة لها عدة مواطن وربما أن نكون نحن موطنها وانتقلت إلى إفريقيا بالتجارة، أو من يكون موطنها الاثنان وقبل الفصل بالبحر الاحمر بين قارة إفريقيا ومنطقة الحجاز قبل ملاين السنين.
وكتكريس للقهوة العربية أطلقت وزارة الثقافة على عام 2022 عام القهوة إيمانا برؤيتها لتعزيز مكانة القهوة السعودية محلياً ودولياً باعتبارها رمزاً من رموز الثقافة السعودية، وموروثاً أصيلا، ونحن الآن وبعد تلك الفترة الزمنية راينا انتشارا هائلا للمقاهي العالمية بنمطها ووصفاتها للقهوة، كذلك وكان ليس هناك الاستثمار بالمقاهي فبعد كل مقهي نجد مقهي يقدم الكابتشينو الإيطالي أو غيره من أنماطها التي انتشرت حول العالم، وفي ذلك إشكال ثقافي.
فنحن أبدلنا تراثنا بشي مستورد وبتغير العادات مع الوقت انتهاء للقهوة العرببة، وقد بدا التغير في اقبال إجيال اليوم علي القهوة الغربية يفوق الأنظار. وقهوتنا ورغم وجودها في عدد من المقاهي لم تتطور وتصنع بشكل جيد فيأتي طعمها غير مستساغ، وغالبا هي من الأنماط المعدة سلفا وليس كما تلك بالقهوة الغربية، ومن من الجيل الحالي يعرف صناعة القهوة. ناهيك عن الأجيال القادمة. ونعتقد أنه سيأتي يوم أن لا أحد يعرف مذاق القهوة العربية الأصلي وسوف تكون كما النسكافيه عند المناسبات.
يوم كنت صغيرا أذهب إلى الأحساء مع والدي، وكان هناك شخص يعمل لديه مهمته إعداد القهوة، وكنت استمتع بمشاهدته وهو يحمص ثم يدق القهوة كذلك من منظر الدلال المختلفة، ولا زالت تلك الرائحة وذاك الصوت بالمدق عالقا بذهني الى اليوم.
ولعلي من جيل آخر، إلا أن الحفاظ علي الموروث القديم هو جزء منا ومن تراثنا وهويتنا وعاداتنا، وهو شيء لا بد من تأصيله للأجيال بتطويره حتي يكون منافسا للمستورد من ثقافات غريبة عنا ومواكبا للعصر.
@SaudAlgosaibi