ليس خافيا على الجميع الدور الحيوي الذي يمارسه القطاع الخاص السعودي في التنمية، لا سيما أنه المحرك الرئيسي وراء التوظيف، كما ان تلك المؤسسات الصغيرة والناشئة هي الأساس وراء الدفع بها، فمن نشأ صغيرا يكبر وهو كما في كل بلدان العالم، وشهادتنا في أهمية دور القطاع الخاص بالاقتصاد هو في تنامي فرص التوظيف حتى وصلت أعداد السعوديين العاملين فيه إلى نحو 2.3 مواطن ومواطنة من أصل 10.90 مليون عامل وعاملة في القطاع الخاص، وبما نسبته 23% سعودة، أي أن القطاع الخاص كمواطنين ينفق ما لا يقل عن 13.4 مليار ريال شهريا بحدة الأدنى بفرضية ستة آلاف ريال كمعدل شهري، الأمر الذي يفتح المجال لمشروعات معتمدة على هذا الإنفاق كفرص استثمارية وليس بالضرورة من خلال إنفاق القطاع العام، فما يؤثر عليه وعلي معدل الانفاق يؤثر على استثمارات القطاع الخاص المباشر ونموه.
وقد ركزت رؤية المملكة 2030 على النهوض بالقطاع غير النفطي ولمساعدته على الاستقلال الذاتي والابتعاد بشكل تدريجي على ارتباطه بالإنفاق الحكومي، ولقد حددت مستهدفات الرؤية لمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 65% من الاقتصاد الكلي كمكون، ورغم فتح قطاعات جديدة على الاقتصاد السعودي مثل السياحة والرياضة أو قطاعات الثقافةوغيرها، إلا أننا ما زلنا نشاهد أن المكون والمحرك لهذه القطاعات هو الإنفاق الحكومي المباشر كمقاولات أو عبر الصناديق أو الشركات التي تدار من القطاعات الحكومية وفي ذلك تنمية القطاع العام دون الخاص.
وكون جل تخصصي وعملي هو في القطاع الخاص ومن خلال الغرف التجارية ومنذ أربعين عاما فما شاهدته ووقفت عليه هو الكثير، ومن وجهة نظري الخاصة أن دور القطاع الخاص لا زال ضعيفا بالاقتصاد رغم فتح مجالات وآفاق جديدة، وأعزو ذلك من واقع خبرة إلى انقطاع الفرص الاستثمارية الجديدة للقطاع الخاص وغياب المعلومة والتركيز على الصناديق الحكومية الاستثمارية للتنمية، مما أدى الى فجوة وزيادة المخاطر للمشاريع الجديدة عند قيام القطاع الخاص بها بسبب عدم تكافؤ الفرص، وهو ليس ما أرادته الرؤية رغم نمو الاقتصاد الكلي.
وها نحن اليوم كأمثلة للتوجه العام نشاهد الأمانات تؤسس شركات منافسة للقطاع الخاص ومن التوجه بتحويل مستشفيات القطاع الحكومي إلى شركات منافسة للقطاع الخاص الصحي، وتدار هذه بالتحول الى شركات من الجهات الحكومية بالتملك والإدارة بالتعين من خلال مجالسها مما ينعكس سلبا على رؤية القطاع الخاص للاستثمار بتلك المجالات بأسباب غياب عنصر المنافسة المتكافئة. والمقياس هنا الاستثمار ليس ممن بالمجال بأغراض التوسع إنما من يريد تحمل المخاطر والاستثمار الجديد والاستحواذ على حصة بالقطاع حتى نكون منصفين وهو المقياس.
ومن الأمثلة الأخرى من تردد القطاع الخاص للاستثمار هو في غياب المعلومة ومبدأ المشاركة لاتخاذ القرار الاستثماري، ومنه أن شاهدنا قصور دور القطاع الخاص في المناطق الواعدة كالعلا ونيوم على قطاع التشييد كالمقاولات، وكما في طبيعة استثماراته فإنها قصيرة الأجل طبقا لمدة المناقصة مما فيها من تقليل للمخاطر، وأيضا مما هو في ذات الأمر قطاع الخدمات الذي بطبيعته وقتية، وهو دليل على عدم وضوع الرؤية للتوجه الاستثماري بعيد الأمد للقطاع الخاص ومن نجاح فرصها، وكان قديما الأسلوب بأن يعلن عن التوجه في محافل للغرض وتطرح الفرص الواعدة من خلال الغرف التجارية الرئيسة في المناطق ومن أن يدعى لإنشاء شركات مشتركة بين القطاعين العام والخاص ومن خلال الغرف التجارية، وقد نجحت تلك الاطروحات سابقا في زيادة الوعي الاستثماري وزيادة الاستثمارات في عدد كبير من القطاعات أمثال القطاع الزراعي والبحري والصحي وغيره، ومن إيجاد فرص مشتركة كشركات مساهمه وليدة، تلك الأمثلة الناجحة كانت في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية والتي لا زال نرى ونقطف ثمارها إلي اليوم.
الحديث عن مساهمة القطاع الخاص لا ينقطع هنا ولا يقف هنا، إلا أن ما يهم هو التنمية أينما أتت وأينما جاءت بأنماطها وبأشكالها، وما علينا الا العمل الدؤوب لرفعة وطننا أيا كان موقعنا وتذليل السبل وإيجاد الحلول لما فيه خير هذا البلد المعطاء في مسعاه ورؤيته.
@SaudAlgosaibi