بعد أن كان العلم هو معيار التقدم والحضارة للبلدان، وكانت القصص في محاربة الأمية والجهل تتدفق علينا لبيان فضل العلم والتعليم، حتى ديننا الاسلامي حث في نهجه وشريعته ومقدساته على العلم وطلبه، وكانت لدينا شواهد كثيرة تبين فضل العلم وكيف أن العلم هو السبب في التقدم أو التخلف عن الحضارة الإنسانية، نال العلم وعملية التعلم اهتماما كبيرا من الأفراد ومن حكوماتنا التي دعمت عملية التعليم بكل سخاء.
ولكن في السنوات الأخيرة تحول العلم إلى سلعة ومنتج باهظ، فبعد أن صار الافراد يسارعون لدفع رسوم الدراسة للحصول على الشهادات العلمية من أجل مستقبلهم ووظائفهم وتحقيق طموحاتهم، سارع التجار بنفس الطموح لاستثمار هذا الطلب المتنامي والمتزايد بعروض تنافسية وخدمات مسعرة للاستفادة من هذه السوق الذي تحول لسوق عالمية لها مريديها، وعليه تحول التعليم إلى تجارة مربحة، والجامعات والمعاهد والمدراس إلى مشاريع استثمارية تنافسية، وبات المعلم أحد اقطاب العملية العلمية التجارية إن لم يكن رجل أعمال فهو مساهم ومشارك في الأرباح، أو مستفيد من سوق التعليم، حتى صارت هناك كتب تثقيفية لتحويل التعليم إلى مشروع استثماري ناجح، والمعلم الى رجل أعمال تعليمي، وحتى البنوك لم تقف متفرجة بل لها الفضل الكبير في تنشيط السوق وزيادة الطلب عليه، بما يعود عليها بالكسب منه بتوفير قروض التعليم التي تقدم بإمتيازات وفوائد لا حصر لها.
صار التعليم يرهق كاهل الأبوين منذ دخول أطفالهم إلى سلك التعليم من الروضة، فلم يعد التنافس في العلم ذو جدوى، حتى أن العلم اليوم لم يعد تربوي ولا تنفع معه القيم والمبادئ، فماذا ينفع طالب تكرس له جهود الأبوين لتعليمه ولم يكافح قط في الكسب من أجل تحقيق حلمه!
وبحسب تقرير لشركة موردور انتليجنس العالمية للأبحاث والدراسات، قدرت حجم سوق التعليم من الروضة إلى الصف الثاني عشر بمبلغ 4.23 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 6.98 مليار دولار بحلول عام 2029، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.09٪ خلال الفترة المتوقعة «2024-2029»، والدراسة التي غطت مناطق كل من أمريكا الشمالية وأوروبا آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا، أكدت على أن أسرع وأكبر سوق للتعليم نمو وطلب هي منطقة آسيا ودول المحيط الهادي، وأن الأسواق التنافسية هذه تشهد تنافسية أيضا من اللاعبين الرئيسيين الدوليين في سوق التعليم للدخول إليها والاستثمار فيها، فالبيئة مهيئة لذلك.
ولعل البيئة التعليمية لهذه البلدان الآسيوية تشهد تطورا كبيرا في بنيتها التحتية فهي الآن تتبع نظام رقمي مطور ومنصات فصول رقمية وبرامج تطوير للمعلمين والطلاب وإشراف تعليمي قيم، ولكن هذه الدول الآسيوية بالذات كالهند وفيتنام وكوريا وتايلند والصين والفلبين ..إلخ هي أكثر البلدان التي تعاني من طبقية اجتماعية ولديها أمية وفقر.
بعض القطاعات لا تحتاج لطفرة ولا وفرة، تحتاج لتوازن يحمي النظام الاجتماعي ويوازنه. فالعلم دون مبادئ التربية ونظمها يحدث خللا، والطفرة في سوق العلم وأنظمته في بلدان تعاني من ثغرات تعليمية ولديها أعداد من البطالة والمتسربين من التعليم يخلق فجوة ومن ثم مشكلة تؤدي إلى أزمات.
@hana_maki00