في الأسبوع الماضي أثناء تصفحي لوسائل التواصل الاجتماعي، لفتت انتباهي نقاشات متعددة حول مقطع لأحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى العلامات التجارية السعودية، وكانتت هناك اختلافات في الرأي حول أحد التصاريح له المتعلقة بأهمية اكمال مرحلة التعليم، وفي هذا المقال سأتطرق لوجهة نظري الشخصية حول ذلك.
في البداية، من المهم توضيح أن اختلاف وجهات النظر لا يعني الإساءة للشخص، واختلاف الرأي بين الأشخاص يعتبر أمراً صحّياً ويثري الحوار وينمي الفهم، وكل شخص لديه خلفية وتجربة تختلف عن غيره، وهذا ما يجعل تنوع الآراء ثروة حقيقية، وعلينا أن نتذكر دومًا أن اختلاف الرأي لا يعني العداء، بل يعكس تنوع العقول والثقافات.
المسألة بدأت عندما ذكر الرئيس التنفيذي في لقاءه وجهة نظره حول إكمال مرحلة التعليم، حيث ذكر بما معناه «أنا أتمنى لو أني لم أكمل دراسة المراحل المتوسطة والثانوية، ولو كان الأمر بيدي لتركت الدراسة في المرحلة المتوسطة، ولم أتحسف لعدم اكمال دراستي، وزملائي من تخرجوا من الجامعة فهم اليوم موظفين عندي»، وإضافة لذلك حتى تتضح الصورة بشكل أكبر فقد ذكر في حديثه «أنا تعلمت الآن مجلدات في مدرسة الحياة، وليس قصوراً في الجامعات».
نجاح المتميزين في المجتمع ومشاركة تجاربهم تعتبر إحدى وسائل اثراء المجتمع، وأي شخص لم يكمل تعليمه وتفوق وتوفق في عمله التجاري يعتبر حالة استثنائية، ولا يعني ذلك تعميم تجربته بمثالية على الجميع، وأيضاً لا يعني ذلك نشر الإحباط لمن أكمل تعليمه أو يخطط على اكمال تعليمه، فقد تُفهم تلك التجارب بطريقة سلبية، ولو كان هناك عدم أهمية للتعليم، فلن نجد توجه هذا الرئيس التنفيذي لتوظيف من تخرجوا من الجامعة معه، واتجه لتوظيف من لم يكمل دراسته.
من أكبر الأخطاء التي يتم ارتكابها هو ربط النجاح بالنجاح المادي فقط، فالمادة تعتبر جزء بسيط من النجاح في الحياة وليست الحياة بأكملها، ومن أكبر الأخطاء أيضاً هو التقليل من أهمية الدراسة والتعليم بأي طريقة كانت، فالمهارات لا تعتبر كافية إذا لم تصاحبها المعرفة العلمية بالإضافة للخبرات العملية والحياتية.
هناك مصطلح ينبغي الحذر منه عند الترويج للتجارب، وهو ما يعرف بانحيازالبقاء أو النجاة «Survivorship Bias»، وهو نوع من الانحياز الذي يحدث عندما يتم تجاهل العينة التي لم تبقَ أو لم تنجح في الوصول إلى مرحلة معينة، مما يؤدي إلى تشويه البيانات وتحليلات النتائج، ففي العديد من الحالات يميل الناس إلى الاهتمام بالأمثلة الناجحة أو الباقية وتجاهل الحالات التي لم تنجح، وهذا النوع من الانحياز يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة أو توجيه استنتاجات ونصائح خاطئة، وبمعنى أوضح هو «التطبيل للأشخاص أو الفئة التي نجحت دون الالتفات لغيرها».
الترويج لأي تجارب مثرية كبوصلة للنجاح والثراء لا يعني ذلك أنها الطريق السليم، فالظروف تختلف والارزاق موزعة بيد الله، والنجاح من رب العالمين ثم لظروفك سواء أكملت تعليمك أم لم تكمله، والتجربة الثرية هي رحلة تعلم الدروس والنمو الشخصي.
ختاماً؛ كوجهة نظر شخصية أعتقد أن الرئيس التنفيذي في لقاءه خانه التعبير، ولم يتمكن من إيصال فكرته بطريقة صحيحة ومبسطة، وما أراد إيصاله هو أن النجاح لا يعتمد «فقط» على التعليم.
@Khaled_Bn_Moh