د. محمد حامد الغامدي


أصبحت ولد دولة تكفلت بتعليمي في جميع المراحل الدراسية، فأصبحت الابن البار، مكتنزا بصنوف الوفاء، والشكر، والعطاء، والانتماء، والولاء. دولتي - أعزها الله - غرست حب التعليم والتعلم، أصبحت أكاديميا لأم وأب عانا ظلام الجهل المتوارث، ثم عرفا نور وفضل العلم في الدولة السعودية. حظيت بتحفيزهما فأصبحت نافع العلم والمعرفة.
بدأ والدي حياته راعيا للغنم، فأصبح والدا لعالم من جامعة عالمية، في جامعة سعودية، كان يردد - رحمه الله -: الأولاد الصالحون من حسن الختام، كان يرى التعليم تقوى وصلاح ورزق.
حققت تطلعات والدي، حققت أيضا أهدافي وفق قواعد ما أتيح لشخصي، استثني واحدا بحاجة لمهارة ووقت للتدريب، في كل مرحلة لدي أولويات، فأعمل لتأجيله، هل استطيع تحقيقه في مرحلة شيخوخة أعيشها؟ هل أجد الوقت؟
أن يستكن الفرد في مرحلة الشيخوخة فهذا يعني كتابة نهايته بيده، الأشياء الميتة والجامدة مستكنة لا حراك فيها. مع هذه الفلسفة هناك أفراد وجماعات وشعوب ميتة وهي حيّة، الحياة تفاعل وتغيير. مع غيابها تغيب وظائف طاقات البشر تقاعسا وكسلا، التطور تغيير، كذلك التنمية.
تطور الفرد يأتي بتجدد معلوماته، ومعارفه، ومهاراته، وسلوكه، واتجاهاته، منها حشوات مجتمعه من حب وكراهية ومواقف.
أرى نفسي شابا يستقبل مرحلة الشيخوخة بشغف وإلهام عظيم. هذا ليس خداع نفس، هذا جموح قوى الآمال والهمّة التي أحمل. إنها جموح الطاقات التي زرعها الله فينا كبشر، أراها مروءة حياة تعطي الرضى والسعادة بالدور، والإنجاز، والمشاركة، والمواقف الإيجابية.
ذلك نتاج منهج عطاء حملته، عبر مسيرة حياتي، شاركت في بنائه والدتي «عالية» الله يشفيها ويحفظها، مدرسة أعطت أكثر مما أخذت، اتبعت خطواتها، هذه نعمة لم يحظ بها الكثير، تقول العرب: اليد العليا خير من اليد السفلى. يحدث ذلك حتى في العلم، والمعرفة، والتجارب، والخبرات.
كل الطموحات والآمال التي أحمل حاليا متعددة بأبعاد تتسابق نحو وصولها بوابة التطبيق الفعلي خوفا من ضيق مساحة الزمن المتبقية، هل يسعفها لتحظى بشرف رؤية النور؟ تحاول حشر نفسها في مقدمة الصف لتأخذ الأولوية. تخشى أن تذهب برفقة الجسد في قبر يعيده إلى أصله.
ذهب عظماء بطموحات وآمال وأماني لم يحققوها، لكنهم رفعوها شعارات، زرعوها في طريق من جاء بعدهم، هذا جزء من فضل عظمتهم، في كل أمر نافع.. ازرع ولا تقطع، الكلمة الطيبة تعزز الخير وأهله، وقد زرع شخصي الكثير في كتبي للأجيال القادمة.
سألني البعض عن تعريفي لمعنى الطموح الذي أقصد في شيخوختي؟ قالوا أيضا: هل بقي لك طموحات؟ البعض أضاف هل الأمل طموح؟ هناك تعريفات كثيرة يمكن الرجوع إليها. لكن لماذا يبحثون عن إجابتي الشخصية؟
وقفت مع السؤال السابق. فتذكرت حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «استفت قلبك ولو أفتاك الناس»، كل فرد لديه فلسفة منهج حياة، مبنية على توجهاته.
جوابي باختصار: الطموح قرار إنجازه بيد الفرد نفسه، وقرار إنجاز الأمل بيد آخرين.
لا تحوّل طموحاتك عمدا إلى آمال، إن فعلتها فهو التقاعس بعينه، تقول العرب: الفشل أساس النجاح، الفشل ثمرة العمل، لكن التقاعس ثمرة الإحجام عن أداء العمل، ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH