عبدالله يوسف العثمان


يُقال إن المجتمعات كالبشر، لها ملامح وسمات تميزها عن غيرها، ومن أبرز هذه الملامح التي تعكس مدى تحضرها ورقيها هو الذوق العام، فكما أن المرآة تعكس صورة الوجه، فإن الذوق العام يعكس صورة المجتمع بأكمله، كاشفًا عن عمق جذوره الثقافية وقيمه السائدة، ومدى اهتمام أفراده بالآخرين وببيئتهم.
الذوق العام هو ذلك الإحساس الدقيق الذي يوجه سلوك الأفراد في تعاملهم مع بعضهم البعض ومع محيطهم، إنه مجموعة من القيم والمعايير التي تتوارثها الأجيال، وتشكل جزءً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمجتمع، وهو يتجلى في أبسط الأمور، كالتحية والابتسامة، والالتزام بالقوانين، واحترام حقوق الآخرين، والحفاظ على الممتلكات العامة.
الذوق العام ليس مجرد مجموعة من القواعد التي يجب اتباعها، بل منهج ديني حنيف، وهو انعكاس مباشر لتحضر المجتمع وأخلاق أفراده، إن الالتزام بالذوق العام يعكس احترامنا لأنفسنا وللآخرين من حولنا، ويعزز العلاقات الاجتماعية المبنية على الاحترام المتبادل والتقدير.
عندما نتحدث عن الذوق العام، فإننا نعني بأنه أسلوب حياة يعكس مدى وعي الفرد بأهمية دوره في بناء مجتمع متماسك ومتحضر، فالذوق العام ليس مجرد زينة أو طلاءً يوضع على السطح، بل هو عمق الروح ونقاء القلب، إن المجتمعات التي تتمتع بذوق عام رفيع هي تلك التي تسود فيها روح التعاون والتضامن، وتُحترم فيها حقوق الإنسان، وتهتم بالحفاظ على البيئة، وتشجع على الإبداع والابتكار، وتستثمر في الإنسان وتنمي قدراته.
ولعل من أبرز مظاهر الذوق العام في المجتمعات المتقدمة هو الاهتمام بالنظافة والجمال، وحب القراءة والمعرفة، والرغبة في تطوير الذات والمجتمع، فالأفراد في هذه المجتمعات يدركون أن النظافة ليست مجرد واجب فردي، بل هي مسؤولية جماعية تساهم في تحسين جودة الحياة للجميع،كما أنهم يعتبرون القراءة والمعرفة أساسًا للتقدم والازدهار، ويسعون إلى تطوير مهاراتهم وقدراتهم ليكونوا أفرادًا منتجين ومساهمين في بناء مجتمعهم.
يشكل تطبيق الذوق العام في المساجد والمنشآت والأماكن العامة مثل المتنزهات والمقاهي والمستشفيات والمجمعات التجارية والمتنزهات العامة... عنصرًا حيويًا لضمان تجربة إيجابية للجميع، كما إن احترام خصوصية الآخرين، والتفاعل بلطف ولباقة مع العاملين والمرتادين يخلق بيئة محببة تعكس قيم المجتمع الراقي.
إن الذوق العام ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج تربية وتعليم مستمر، فالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام.. تؤثر بشكل كبير وحاسم في غرس قيم الذوق العام في نفوس الأجيال الشابة، كما أن القوانين والتشريعات تلعب دورًا هامًا في تعزيز السلوكيات الإيجابية وردع السلوكيات السلبية.
ومما تجد الإشارة إليه، التحديات التي تواجهنا اليوم بالالتزام بهذه الذوقيات في عصر يشهد تطورًا سريعًا في وسائل التواصل والتفاعل، إلا أن هذا التطور لا ينبغي أن يكون على حساب قيمنا ومبادئنا الأخلاقية التي تميز مجتمعاتنا.
ختامًا.. يمكن القول إن الذوق العام هو مرآة تعكس مدى تقدم المجتمع ورقي أفراده، وهو ليس مجرد زينة أو طلاء، وليس مجرد التزام بالقوانين، بل هو تعبير عن حسن الخلق وسمو الروح، وهو ما يجعلنا نرتقي كمجتمع نحترم فيه إنسانية كل فرد.
@BinOthman90
الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام.. تؤثر بشكل كبير وحاسم في غرس قيم الذوق العام في نفوس الأجيال