أحياناً نعتقد أن التميز محصور في بعض العائلات، والنجاح مركز على الشهادة، وأصحاب الأرصدة هم أصحاب المبادئ فقط.
عندما تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجد ريادة لضعفاء من العبيد والإماء، وسقوطاً مدوياً لعلية القوم، ولذلك لا يجب الاستعجال في الحكم، أو البناء على مقاييس غير صحيحة.
من أبطال تاريخنا مولى لبني عبد الدار أسمه أفلح ويطلق عليه أبو فُكَيْه، وكان من الأزد، فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه من الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة حتى لا يتحرك، فكان يبقى كذلك حتى لا يعقل، فلم يزل يعذب كذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكانوا مرة قد ربطوا رجله بحبل، ثم جروه وألقوه في الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات، فمر به أبو بكر فاشتراه وأعتقه لله .
ومولى أخر كان يعمل حداداً وهو خباب بن الأرت، وكان مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، لما أسلم عذبته مولاته بالنار، كانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره.
وكانت زِنِّيرَةُ أمَةً رومية قد أسلمت فعذبت في الله، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لها: أصابتك اللات والعزى، فقالت : لا والله ما أصابتني، وهذا من الله، وإن شاء كشفه، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها، فقالت قريش : هذا بعض سحر محمد .
وأسلمت أم عُبَيْس، جارية لبني زهرة، فكان يعذبها المشركون، وبخاصة مولاها الأسود بن عبد يغوث، وكان من أشد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المستهزئين به، وممن أسلمن وعذبن من الجوارى : النهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار .
وممن عذب من العبيد : عامر بن فُهَيْرَة، كان يعذب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول .
لقد كانوا أبطالاً، وصنعوا مكانتهم الاجتماعية ليس لدى قبيلتهم بل في التاريخ، وأولئك أبائي أفخر بهم وأفاخر.
@shlash2020