د. محمد حامد الغامدي


في منظومتهم الاجتماعية، كان كبار قريتي يجهزون شخصي مع غيري لنصبح من كبار الجماعة. أيضا كان أهل قرية أخوالي يجهزون شخصي لأصبح مفخرتهم كولد لابنتهم، هذا الإعداد كان نمط حياة تدريب وتدريس في غياب مناهج التعليم المدرسي عبر القرون الجاهلة، وجدوا أنفسهم يعيشونها قبل العهد السعودي الظافر بالخير والعطاء.
ذلك كان يحصل في حياة حضارة الرمق الأخير، حضارة سادت قرون عديدة على بلادي - يحفظها الله - أوقفت زمنهم الحضاري فتقهقروا، ورغم بطش الجهل المفروض لم يستطع تعطيل الهمة والأمل، لست بصدد سرد تاريخ المتسبب، كل شيء واضح ومحفوظ في كتب التاريخ وأحداثه.
ظلت جذوة تحدي واقع حياة التخلف متقدة حتى جاء العهد السعودي المجيد في كل مجالات الحياة، أهمها محاربة الجهل. كانت ظروف حياة الأجداد معاناة قاسية، منزوعة الرحمة بفعل فاعل، فرضوها بقوة البطش. وصل بهم حد مساوات العرب بالبهائم.
في صغري وجدت بقايا ماضي التخلف، جعلهم يحفظون الحروف كرسم، ينطقونها كرسم. يكتبونها كرسم، وجدت جيلا من كبار السن في طفولتي وشبابي لا يستطيعون قراءة أي خط يختلف عن رسم خط مصاحف ورثوها. تعلموا قراءتها كرسم. منهج وفكر يردد: الباء نقطة من تحت، والتاء ثنتين من فوق، والثاء ثلاث من فوق، ... الخ، هذا هو تعليم التخلف لأجدادي، تعليم محدود وشخصي لقراءة القرآن فقط.
سهل أن يسود الجهل بين الناس. سهل زرعه وتعميمه، كان زمن التخلف الذي ساد لقرون ينشر الجهل ليسود، والبطش ليستمر، والظلم ليتخلص من صوت الحق، لم أجد مدرسة أو معهد من زمن التخلف في أي مكان في بلادنا حفظها الله، لكن قلاع السجون منتشرة، وحصون البطش مرفوعة، والعقول مغلقة ومنغلقة.
غادرت قريتي مع جيلي نهاية العام الدراسي «1971»، رجعت بعد ربع قرن فوجدت قريتي شبه جامعة لكثرة حملة الدكتوراه من شبابها في العهد السعودي. أصبحت مركز حضاري، بعد أن كانت منغلقة بفعل جهل وتخلف جثم على صدرها لقرون عديدة.
العدو أي كان جنسه ونوعه يعمل دوما لتعطيل عقول أصحاب الأرض، هناك عدو يهدف أن يستغل ثروات الأرض، أو يعطل عقول أهل الأرض، أو يستغل تاريخ وحضارة أهل الأرض، أو يرفع شعار فرق تسد بين أهل الأرض، لكن تبقى وظيفة العدو محاولة فرض واقع الهيمنة بأي شكل على أهل الأرض وخيراتها.
اليوم الكارهون لنا يعملون بوسائل جديدة منها استغلال العلم والتقنيات، لكننا أصبحنا في عهدنا السعودي نفاخر بعقولنا، جعلناها سلاحنا الأقوى في وجه تحديات بغيضة تحاول إعادتنا الى عصور التخلف والجهل والمرض والفقر.
اليوم نفاخر بقدراتنا في كل مجال، صنعناها بعرق الجبين والتخطيط السليم، استثمار العقول منفعة ومصد في وجه رياح الأعداء أيا كان نوعهم ونوعها.
نحتنا تقدمنا بجهودنا، وبمثابرتنا، وبصبرنا، وبسهرنا، ستظل راية محاربة الجهل خفاقة، في أحد سنوات ثمانينيات القرن الماضي الميلادي فاق عدد المبتعثين إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 100 ألف مبتعث في جميع التخصصات، هذا بخلاف عدد المبتعثين في دول العالم الأخرى، بناء العقول لم يتوقف. الاستثمار في الإنسان يتعاظم. هكذا نحن، موتوا بغيضكم أيها الكارهون، ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH