عبدالله الغنام


الدول والحضارات لا تتطور فجأة، بل هي عملية تراكمية علمية وثقافية وسياسية واجتماعية، حيث كل مجتمع يبدأ البناء من حيث انتهى الآخرون، وإلا سوف يضطر إلى البداية من الصفر، وهو أمر غير منطقي، وسيكون حالهم كمن يحاول إعادة اختراع العجلة، وهو مضيعة للوقت والجهد. ويٌبين هذا المعني قول نيوتن: إنما أبصرت بعيدا لأني كنت أقف على أكتاف العظماء.
والمقصود أن التطور العلمي وغيره مبني على التعلم والاستفادة ممن سبق، ثم يأتي دور البناء المنهجي والتدريجي، وهذا هو الذي أوصل البشرية إلى من نحن عليه اليوم من تقدم مذهل في جوانب شتى، ومجالات متعددة وخصوصا التقنية والاتصالات والذكاء الصناعي.
ويأخذنا الحديث إلى موضوع هام ساهم بشكل واضح في النهضة البشرية الحديثة إلا وهو الترجمة. ولعل البعض منا يعلم أهمية الترجمة التي قام بها العرب والمسلمون خصوصا في عهد الخليفة المأمون، والذي كان يعد العصر الذهبي للترجمة من خلال «بيت الحكمة»، والذي ساهم بدوره بشكل ملحوظ في النهضة والتقدم العلمي والفكري في ذلك العصر، ثم بعد ذلك انتقل العلم والحضارة إلى الغرب مع بداية القرن الثالث عشر الميلادي. وبعده جاء عصر النهضة الأوربية «القرن الخامس عشر الميلادي»، لتليها النهضة الصناعية في القرن التاسع عشر الميلادي.
والترجمة هي تفسير وتأويل المعاني التي تتضمنها النصوص، وتحويلها من للغة إلى أخرى، فهي عملية لنقل المعلومات والبيانات، والثقافات والآداب، والعلوم المختلفة من أجل الاستفادة والتطور.
ونتحدث عن أهمية الترجمة لأن يوم «30 أيلول/سبتمبر» يوافق «اليوم العالمي للترجمة» حيث قالت عنه الأمم المتحدة: «يُراد باليوم الدولي للترجمة إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين». وأما اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة فهي «العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية»، والوثائق تصدر باللغات الرسمية الست للمنظمة في وقت واحد! بالإضافة إلى ترجمة النصوص والمحادثات واللقاءات.
والترجمة للعلوم والأدب والثقافة لها أهمية وفوائد عدة منها: تسريع عملية التطور العلمي والتقني، التبادل المعرفي والثقافي، وهي إداءة للتواصل بين الشعوب، وتنشيط للسياحة، والتواصل الأمني والسياسي بين الدول وغيرها.
وأما عن الصعوبات التي توجهها الترجمة فعلى سبيل المثال منها: اختلاف المعاني والمرادفات في اللغة الواحدة، تباين القواعد النحوية والصرفية، اختلاف الثقافات، تعدد اللهجات في اللغة الواحدة. بالإضافة للخلفية الثقافية والتخصصية للمترجم نفسه! وسيدخل الذكاء الصناعي في هذا المجال بقوة في السنوات القادمة من أجل أن تكون الترجمة أكثر دقة ومصداقية ومنهجية بعيدا عن المؤثرات الأخرى.
وأما أنواع الترجمة فهي متنوعة بحسب نوع الموضوع مثل: الترجمة الأدبية، والقانونية، والعلمية البحثية، والدينية، والإعلامية، ولكن لعل من أصعبها الترجمة الفورية حيث تحتاج إلى ثقافة واسعة، ومعرفة دقيقة بالمصطلحات وقواعد اللغات، وفي المقابل هي قد تسبب سوء تفاهم وخلافات بين المتلقي والمستقبل.
وتجدر الإشارة إلى اهتمام المملكة مؤخرا بتعلم وتدريس اللغة الصينية والتي لها منافع متنوعة منها: الانفتاح على ثقافة جديدة كانت منغلقة لعدة قرون، والاطلاع على مهارات وعلوم مختلفة، وفرص عمل وظيفية جديدة للمترجمين وغيرهم، وتعزيز التبادل التجاري حيث الصين القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك جذب للسياح الصينين.

@abdullaghannam