د. نورة الهديب


نعم، نحن في زمن تتسابق فيه المعارف والعلوم بتفاصيلها وتتبعها الأدلة والصور، ويبقى الخيار في النهاية للمُتلقي لها ليقف بين الحقائق والأكاذيب، في الأمس كان العقل يسعى في البحث عن المعلومة مسافراً اليها ليؤدي وظائفه بالشكل الصحيح. واليوم، فإن العقل مُسترخي يستقبل ما يشاء من المعارف وبسبب تعدد المصادر وتضخم محتوياتها فإن اجتهاد وظائف العقل لتّحقق منها يكاد لا يُذكر.

لماذا؟ لأن العقل استسلم لنتائج أفعاله، فقد صارع وسافر وفعّل كل أدواته ليصل إلى نهاية الرحلة، وبعد الوصول أصبح يسبح في سطح المعرفة ويكتفي بالمُختصر سواء كان مُفيداً أو غير ذلك، الزمن يُربي العقل والتطور يُنمي مُدركاته ووظائفه توسّع مستوى وعيه، ولكن تواكل العقل على المُخرج وكأنه ثابت جعل العقل يستقبل الجهل على أنه معرفة والعكس.

كيف ذلك؟ القناعة تبدأ من قلب الانسان وتنمو حتى تصل إلى عقله ومن المفترض أنها تُثمر إذا كانت البيئة سليمة، والعكس. ولكن بسبب تعدد مصادر ووسائل المعرفة وما يشوبها من فتن مُتنوعة، فإن القناعات أصبحت هشّة وتغذيتها المعرفية للعقل أصبحت سقيمة.
السبب؟ عندما استُهدفت القناعات وشُكِك في مبادئها، تقدّمت الشهوات وطغت. فتعطّل العقل وفُعّلت الرغبات لتقود أصحابها.

ثم ماذا؟ ساد الجهل ونادى بالحرية وجعل من الهدم قواعد ليبني بها الفساد وتعمى البصيرة وتُحقق الغاية بضلال الوسيلة. ونحن الى أين؟ بين العقل والقلب، نحاول أن نُنقذ أنفسنا بما تركه لنا أهل العلم والحكمة ونصطاد المفيد في الماء العكر.
FofKEDL@