عبدالله صايل


حاولوا إرضاء هذه الفاتنة مرارا.. لكن لم يوفقوا! وشاع الخبر أن بكاءها لا ينقطع.. وغابت في مُعـتَـزَل حزنها عن طرق المنطقة الشرقية وميادينها، ولم تبُح بمكنون صدرها سوى لبلبل النخيل الذي رآها خلال تحليقه عاليا في سماء بقعة جرداء، وقرر أن يرتاح على أقرب غصن فيها من طول ما طوى من مسافات.. فسمع بوحها وأصابه الحزن؛ وما لبث أن باح هذا البلبل للنوارس خلال مروره العابر بشاطئ الخليج العربي.. فسرى الخبر سُرى النار في الهشيم على امتداد ساحلنا الشرقي العظيم.
وصل النبأ إلى الصقر، فصفّق بجناحيه، وحلٌق صوب الشجرة الباكية، وحط على أعلى غصن فيها، وقال: ما كل هذا الحزن يا شجرة الشرق الكريم؟ قالت الشجرة وقد واصل دمعها الانسكاب: كل ما هنالك أنني ما عدتُ أجد أي رغبة بأن أستمر في هذه الحياة! كل غصن جديد ينمو على جذعي، وكل ورقة جديدة تنمو على أغصاني، لا تشكل بالنسبة لي سوى ما يمكن وصفه بـ «العبء الجديد»!
تقول الشجرة في معرض حكايتها أن المئات من بنات جنسها يبسن ومتن بعد أن نقلهن بنو البشر من المزارع والمشاتل إلى بعض الطرقات والمواقع بالمنطقة الشرقية، وكان الوعد «حياةً جديدة»، لكن وبمنتهى الأسف.. لم يكن بانتظار الأشجار سوى الجرد واليباب! هذا يغرس ليبيع المخطط، وذاك يغرس ليدشّن الميدان، وثالثٌ يغرس لتجميل رصيف، ورابع يغرس للظفر بجائزة.. وما إن يتحقق المراد وينفضّ الناس، إلا وتستجدي الأشجار قطرة ماء.. فلا يجدنها! وفي كل مرة، نرفع السؤال للريح، فلا يرتد الريح إلا بالصفير...!
إلى هنا انتهت قصة الشجرة الباكية، وبدأ المجتمع في تناولها والخوض في الأسباب التي جرّت الشجرة إلى داكن الكآبة، واختيار العزلة، والركون إلى الموت البطيء. وبدأ الناس يقولون: ما يحدث للشجرة في الشرقية مردود حتما إلى أن جهات معينة تقاعست -لسبب أو لآخر- عن توفير «المياه الرمادية» الكفيلة بري مثل هذه الأشجار، وهناك من قال: إن التقصير مردود لانشغال المؤسسات البيئية الرسمية بإصدار اللوائح والتنظيم الفَرضي على حساب العمل في أرض الواقع بالغرس والرعاية، وتنامى حديث مجتمع الشرقية ليذهب البعض إلى القول بأن سبب فقر التشجير في طرقات وميادين المنطقة الشرقية مردود إلى الحاجة لإعادة النظر في توجيه بوصلة المسؤولية الاجتماعية لبعض أثقل الكيانات الاقتصادية بالمنطقة الشرقية، ولبعضها ثقله وتأثيره حتى على مستوى العالم.
هذا ما ذهب إليه بعض أفراد المجتمع من عشاق الاخضرار والاستدامة، وحتما لقراء صحيفة «اليوم» رأيهم في سبب ضعف تشجير بعض أهم الطرقات والميادين بالمنطقة الشرقية، ولماذا يبقى طريق الملك فهد باتجاه المطار دون تشجير «مثلا»؟ وما هو السبب لبقاء «ابوحدرية» نموذجا لـ «ذهب مع الريح»؟ وكيف لنا أن نرى تشجيرا على الطريق الحيوي من الدمام إلى الجبيل؟ ومن الجبيل إلى ما يليها من مدننا الغالية؟ ..وهكذا. الإجابة حتما لدى قراء هذه الصحيفة الغراء، ولعلنا بهذا نتشارك كل ما يفيد منطقتنا الشرقية الأثيرة والحبيبة.
@abdullahsayel