بما لا يقبل الشك البشرية على أعتاب ثورة علمية واجتماعية غير مسبوقة بفضل التقدم في تقنية تعديل الجينات في المستقبل القريب لا سيما مع القفزات التي يحققها الذكاء الاصطناعي في المجالات المختبرية.
البشر المُعدَّلون جينياً الذين يجمعون بين الإرث الطبيعي والتكنولوجيا المتقدمة، سيشكلون خطوة جديدة في تطور البشرية، هذه الخطوة لن تغير فقط شكل الحياة التي نعرفها، بل قد تعيد تعريف ما يعنيه أن تكون إنساناً، لتضع أمامنا تحديات وأبعاداً أخلاقية جديدة، التعديل الجيني ليس فكرة جديدة، إذ لطالما كانت هناك تجارب لتحسين الإنتاج الزراعي ومعالجة الأمراض الوراثية عبر تقنيات مثل «CRISPR».
ومع ازدياد قدرات العلماء على تعديل الحمض النووي بدقة متناهية، أصبح من الممكن تخيل مستقبل يُولد فيه الأطفال بخريطة جينية محسّنة، تُزيل العيوب الوراثية وتمنح ميزات إضافية، وهذه الميزات قد تشمل زيادة في الذكاء، تحسينات في القدرات البدنية، وحتى مقاومة الأمراض المزمنة كالسرطان وألزهايمر، تخيّل عالماً لا يعاني فيه أحد من الأمراض الوراثية، ويعيش فيه الإنسان حياة أطول وأكثر صحة، حيث يولد الأطفال بقدرات فائقة، ينمون بسرعة ويفهمون الرياضيات واللغات في سنواتهم الأولى، الرياضيون يصبحون أسرع وأقوى بفضل جيناتهم المحسّنة، والعلماء ينجزون اكتشافات كبرى لأن أدمغتهم تعمل بكفاءة أعلى، ستكون هذه التحسينات وسيلة لتسريع تقدم البشرية في جميع المجالات، من الطب إلى التكنولوجيا والفنون، لكن هذه الثورة الجينية الحتمية لا تخلو من المخاطر.
قد ينشأ انقسام بين طبقة من البشر العاديين وطبقة أخرى من البشر المُعدّلين جينياً، الفجوة الجينية إذا جاز التعبير، قد تصبح أعمق من الفجوة الاقتصادية أو الاجتماعية وقد يجد الإنسان غير المعدّل نفسه مهمشاً في مجتمع يُقدّر الخصائص «الفائقة» أكثر من أي شيء آخر، كيف سيكون شكل العدالة في عالم يتمتع فيه بعض البشر بمزايا جينية تتجاوز حدود الطبيعة؟ وماذا سيكون مصير أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف هذه التكنولوجيا؟ الأخلاقيات هنا تلعب دوراً حاسماً، هل من الصواب أن يتم تعديل جينات الأطفال قبل ولادتهم، دون موافقتهم؟ هل ستؤدي هذه التقنية إلى تراجع التنوع البشري، بحيث تصبح «الكمالية الجينية» هي المعيار ويتم نبذ الاختلافات؟
وفي حال حدث خطأ في عملية التعديل، كيف سيتم التعامل مع الأجيال القادمة التي قد تعاني من عواقب غير مقصودة؟ في نهاية المطاف، قد يُعيد البشر المُعدّلون جينيًا تشكيل المجتمع بطرق لا يمكن التنبؤ بها بالكامل وقد يُحفزون ولادة ثقافة جديدة تتقبل التعدد البيولوجي كأساس للتقدم، أو قد يدفعون البشرية نحو طبقية جديدة مبنية على القدرات الوراثية، المسار الذي سنسلكه سيعتمد على القرارات التي نتخذها اليوم بشأن كيفية استخدام هذه التكنولوجيا.
ختاماً.. لا شك أن المستقبل مع البشر المُعدّلين جينيًا يحمل وعوداً كبيرة، لكنه يأتي مع مسؤوليات ضخمة ومخاطر مختلفة، إذا تمكنت البشرية من دمج هذه التطورات بحكمة، فقد نتمكن من استخدام التعديل الجيني لتحسين حياتنا دون أن نفقد إنسانيتنا، إنه مستقبل يقف على مفترق الطرق، ويعتمد على اختيارنا للطريق الذي سنسلكه نحو عالم جيني جديد.
@malarab1