أ. د. مسفر الوادعي


في يوم الإثنين الموافق الرابع عشر من شهر أكتوبر من العام الحالي، شهد قطاع التعليم العام حدثاً تاريخياً أحدث نقلة نوعية في مسار الإعداد والتأهيل للطلبة من ناحيتي التصنيف والاعتماد، والتنافسية والنوعية في الخدمة والمنتج، حيث تمثل هذا الحدث في الحفل التكريمي للمدارس الحاصلة على التميز المدرسي من التعليم العام والأهلي والعالمي، ومع نوعية الفكرة وجمالها وتقدير جهد العاملين والباذلين لأوقاتهم وأموالهم لتحقيق التميز في الأداء والبيئة بما يعزز جودة المخرج التعليمي والتنافسية المحلية والإقليمية والعالمية؛ إلا أن ذلك الحدث أشرع أبواباً من التساؤلات لدى مختلف فئات المجتمع المتنوعة، وأثار علامات الاستفهام والاستغراب حيث كُرمت 300 مدرسة مما يقارب 31000 مدرسة فأين البقية؟!.
ومن هنا كان لازماً على مقام وزارة التعليم -باعتبارها الجهة المنفذة للتعليم بالميدان- العمل الجاد على تطوير الميدان التربوي المدرسي من خلال إعادة النظر في اختيار القيادات التعليمية والمدرسية؛ فنجاح المنظمات والمؤسسات وتميزها مرهون بجودة اختيار قيادتها، والعمل وفق نماذج عمل اقتصادية قائمة على تعظيم الأثر واستدامته.
ولا شك أن ذلك يتطلب آلية واضحة لاختيار القيادات التعليمية سواءً أكان على المستوى الاستراتيجي بإدارات التعليم أو على المستوى التنفيذي بالمدارس مرتبطة بالإنجاز الحقيقي لا الإنجاز الورقي، وإلزامها ببرامج عمل مزمنة ومحددة تجمع بين الكفاءة والفاعلية من جانب، والالتزام والرقابية والمحاسبية من جانب آخر، حتى تتمكن الوزارة من تحقيق مستهدفاتها المتعلقة بصناعة المواطن السعودي المنافس إقليماً وعالمياً، والعمل على التحسين المستمر وفقاً لما يُصدر عن الهيئة من تقارير تعكس واقع العمليات التشغيلية اليومية. من جانب آخر، فمن المحزن والمؤسف أن تغيب عدد من إدارات التعليم العامة والتعليم بالمحافظات عن مشهد التكريم لتجعل الناس يستذكرون ما رددته الأسن سابقاً: «لم ينجح أحد» فإذا أخفقت تلك الإدارات في الحضور اليوم على المستوى المحلي فكيف يمكن لها الحضور غداً على منصات التتويج والتميز على المستوى الإقليمي والدولي وتحقيق حُلم ولي العهد - حفظه الله - في تحقيق تعليم منافس عالمي.
ومن زاوية أخرى، فالعناية بالمعلم صانع النماء والبناء، ومهندس المستقبل، ومربي الأجيال، وحامي حمى القيم والأخلاق والفضائل وذلك بتأهيله التأهيل المهني المستمر ليتمكن من مواكبة المستجدات المعرفية والتقنية وتوظيفها التوظيف الأمثل داخل الصفوف الدراسية، والاستماع لهمومه وغمومه وإشراكه في عملية التطوير والتحسين أمرٌ بالغ الأهمية والخطورة، فدوره لا يكمن في عرض المادة العلمية بصورة إلكترونية فحسب، وإنما دوره يكمن في البناء القيمي والمعرفي والمهاري والوجداني للمتعلم، والانطلاق من قاعدة استدامة الأثر ووقفية المنتج، وعندئذ ستتخلف رؤية المعلم لتلميذه وأنه امتداد له في حياته وبعد وفاته.
ولا يمكن للمدير والمعلم أن يؤديا مهمتيهما إلا من خلال بيئة تعليمية مجهزة بكافة التجهيزات التعليمية والتربويّة، ومحفزة للتفكير تليق بمهمة التربية والتعليم، لا أن تكون بيئةً تعليمية تركز على الكم والاستيعاب للطلاب والطالبات في غياب تام للجودة والتميز. وأخيراً، فالمجتمع عنصر فاعل بدوره التشاركي والتعاوني في متابعة أداء المؤسسات التعليمية بمحيطه، وتقديم العون والنصح والدعم المعنوي والمادي لها، فالجميع يسعى نحو غاية واحدة ومستهدف أوحد ألا وهو صناعة المتعلم وبنائه واكتشاف قدراته وتوظيف طاقاته في عمليات البناء والنماء الوطني والله من وراء القصد.
@mesfer753