تفوقت شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية العملاقة ، على عمالقة شركات النفط الكبيرة المهيمنة والمسيطرة على الأسواق في العالم لعقود سالفة منذ اكتشاف النفط ولكن ومنذ العام 2017 بعد أن بلغ تقييمها مجتمعة، أكثر من 3.3 تريليون دولار، لتعتلي في تقيمتها الرأسمالي والربحي كافة الشركات الأخرى، وإلى اليوم، وهي تتقدم بسرعة كافية لتكون الأضخم والأسرع نموا على مستوى العالم.
ولكن ماذا تقدم هذه الشركات من سلع أولية أو استهلاكية أساسية أو ثانوية؟ وكيف أنها هيمنت على الأسواق وقطاع التجارة والمال؟ إنها ببساطة تملك سوق يسمى «داتا ماركت» أو سوق البيانات، ومن خلاله هي تتحكم في الكثير من الأمور، إذ بعضها لا يخضع لسلطة تشريعية لحداثته كالتجارة الالكترونية والمعاملات الرقمية، ولكن وجد أن ما تقدمه هذه الشركات من خدمات لها صلة وثيقة بسوق السلع الأولية مباشرة، بل أنها لعبت دورا كبيرا في الحيلولة دون تعرض الاقتصاد العالمي لركود أو كساد بعد الأزمات الكبيرة التي مر، ويمر بها.
من ناحية، يعتبر النفط ولا يزال السلعة الأولية الأغلى والأكثر سلطة في العالم، ويمكن لهذه السلعة الخام أن تتحكم في الأسواق وفي الأحداث وفي الأزمات والقرارات، ولكن مع النمو السريع لسوق البيانات وشركاتها، ومدى فاعليتها في الأزمات، والحلول المبتكرة والذكية التي تقدمها، والخدمات الذكية ذات الفاعلية الكبيرة، فإنها تتحكم في الكثير من الأعمال والقطاعات وكذلك الأموال المحولة والمتنقلة. بل أن لها تدخل، ودور في الكثير من الأمور الحياتية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
والفارق بين شركات كبار النفط وكبار التكنولوجيا، عظيم ومهيمن وغامض و ضبابي، فشركات النفط العملاقة والتي تتمتع بثروات جراء عملها في أغلى سلعة عالمية تعتبر وسيط مساعد، منتفعة من ما توفره من خدمات لوجستية، ولكن ليس لها أي سلطة أو نفوذ، إذ تبقى للدول النفطية اليد الطولى والتحكم شبه الكامل فيما يخص أسعار النفط وسوقه وثرواته وجوانب مصالحها من تعاملاته، بينما وبفارق كبير وخطير من ذلك، يمكن أن تحل شركات التكنولوجيا العملاقة محل الدول النفطية في السيطرة والتحكم الكامل في سوق البيانات والخدمات التي تقدمها، بطريقة مبتكرة أيضا، إذ أن سيطرة شركات الإنترنت على البيانات تمنحها قوة هائلة، والواقع أن الطرق القديمة في التفكير بالمنافسة، والتي ابتكرت في عصر النفط، تبدو عتيقة في ظل ما أصبح يُطلَق عليه «اقتصاد البيانات» الذي أحدث تطور في المعاملات كافة وجودتها، وفي ترتيب الأسواق وفي الايدي العاملة والتواصل، وفي التحكم والانكشاف، ولكن الفارق في ما تقدمه هذه الشركات المتعاظمة والمتمكنة، بأنها مشاعة.
أجل، فالضعف يكمن بأن هذه الخدمات «البشرية» ليست ثروة طبيعية متجددة ومحصورة، ولكن يمكن استنساخها، وأن الشركات الضخمة والعملاقة ليست دول ذات سيادة، لذا يمكن لها أن تتعرض لضربات في السوق، أو منافسة قاضية، وبالتالي، فهذه السلع والتي ابتكرها الإنسان وإن تفوقت فهي متاحة للمنافسة والخسارة، وبالتالي القوة التي تتفوق بها من بيانات لن تحميها من الخسارة، وإمكانية التنافسية العالية، وسمة الانكشاف في البيانات هي ما يضعفها وإن بدت قوية ومتنامية. لذا، لن تستطيع أن تنافس النفط في سلطته الحالية، وإن أطلق عليها «نفط العصر الرقمي».
@hana_maki00