عبدالعزيز العمري – جدة

أكدت وزارة الصحة أن التأتأة المبكرة، التي تصيب الأطفال خلال مراحل نموهم اللغوي وتعلمهم مهارات التحدث، تعد الأكثر شيوعًا بين أنواع التأتأة، حيث لم يتم تحديد السبب الدقيق لحدوثها حتى الآن، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن التأتأة المبكرة قد تنجم عن اختلافات في التوصيلات العصبية في الدماغ، والتي تؤثر على قدرة الطفل على النطق السليم.

ورغم أن تلك التوصيلات الدماغية تستمر في النمو خلال مرحلة الطفولة، إلا أن وزارة الصحة توضح أن نحو 66% من حالات التأتأة تحدث نتيجة لعوامل وراثية تتوارثها العائلات، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن للجينات دورًا كبيرًا في نشوء هذا الاضطراب.

وأوضح مختصون لـ "اليوم" بأن التأتأة اضطراب يؤثر على الطلاقة الكلامية وتعدد طرق العلاج يسهم في تخفيف آثاره، مشيرين إلى جلسات النطق، والعلاج السلوكي المعرفي، والمشاركة في مجموعات الدعم التي تضم أفرادًا يعانون من نفس المشكلة، تعد من أبرز الطرق العلاجية المتاحة.

وأكد أستاذ التربية الخاصة المشارك وعميد كلية التربية بجامعة جدة، الدكتور مشعل سلمان الرفاعي، أن التأتأة تعد اضطرابًا يؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على التواصل والكلام بطلاقة.
د مشعل الرفاعي


وتتعدد أسباب هذا الاضطراب، حيث تلعب العوامل الوراثية والعصبية في الدماغ دورًا هامًا في ظهوره، إضافة إلى العوامل التنموية والبيئية.

وأوضح الدكتور الرفاعي أن التأتأة تتمثل في تكرار الأصوات أو المقاطع أو الكلمات، أو حدوث حبسة تمنع الفرد من التحدث بسلاسة.

كما أشار إلى أن التأثيرات النفسية للتأتأة تشمل زيادة معدلات القلق والانسحاب الاجتماعي، مما قد يؤثر على الأداء الأكاديمي والمهني للفرد.

وأكد الدكتور الرفاعي على أهمية العلاج المبكر للتأتأة، مشيرًا إلى أن جلسات النطق، والعلاج السلوكي المعرفي، والمشاركة في مجموعات الدعم التي تضم أفرادًا يعانون من نفس المشكلة، تعد من أبرز الطرق العلاجية المتاحة. وأوضح أن هناك مفاهيم خاطئة حول التأتأة، مثل الربط بينها وبين القلق أو القدرات العقلية للفرد.

وأكد أن القلق ليس سببًا للتأتأة، لكنه قد يزيد من حدتها ويبطئ من عملية التحسن، في حين أن التأتأة لا ترتبط بالذكاء أو القدرات الإدراكية للفرد.


لا علاج بالأدوية


من جانبها، أوضحت معلمة التربية الخاصة وعود التكرور، أن التأتأة تعتبر اضطرابًا نفسيًا يدخل ضمن اضطرابات التواصل، ولا يمكن علاجها باستخدام الأدوية، بل يعتمد العلاج على الأساليب التربوية الحديثة التي يتم تطبيقها في المدرسة، داخل الأسرة، وضمن المجتمع. واعتبرت أن المعلم، الأسرة، والمجتمع يشكلون مثلثًا هامًا في مساعدة المتلعثم على تحسين طلاقته الكلامية، مشيرة إلى أن المتلعثم غالبًا ما يعاني من نقص في المشاركة المجتمعية.
وعود التكرور


وقدمت "التكرور" مجموعة من الأساليب التربوية التي يمكن اتباعها لدعم طلاقة الكلام لدى المتلعثمين، مثل منحهم وقتًا كافيًا للتحدث، تشجيعهم على التريث في الكلام، وتجنب تصحيح كلامهم أو إكمال الحديث عنهم.

كما أشارت إلى أهمية الاستماع الجيد لهم، والتواصل البصري المستمر لدعمهم أثناء الحوار، وأكدت أيضًا على أهمية دور أخصائي النطق والتخاطب في تصميم برامج علاجية تساهم في تحفيز النطق وتعزيز الثقة بالنفس لدى المتلعثم.


أما المختصة في التربية الخاصة نفلاء القاضي، فأكدت على الدور الحاسم الذي تلعبه السنوات الأولى في قدرة الأشخاص على النطق والكلام. وأشارت إلى أن التحدث هو جانب أساسي من الاتصال بين أفراد المجتمع، وله تأثير كبير على النمو الاجتماعي والتعبير عن الاحتياجات والمشاعر. وأضافت أن أي خلل في هذا الجانب يؤدي إلى تأخر في التطور الاجتماعي للفرد، سواء قبل سن المدرسة أو خلال مراحل الدراسة.

كما أوضحت القاضي أن هناك أشكالًا متعددة لاضطرابات النطق والكلام، إلا أن التأتأة تعد الأكثر شيوعًا بينها. وتحدثت عن أن الأسباب قد تكون وراثية أو عصبية نتيجة تلف في الدماغ أو إصابة أثناء الولادة، أو نفسية نتيجة
نفلاء القاضي
صدمات أو مشكلات عاطفية. وشددت على أهمية التدخل المبكر في علاج التأتأة، حيث قد يحتاج البعض لجلسات تدريبية للنطق والكلام تحت إشراف مختصين. وأضافت أن الأخصائي النفسي يلعب دورًا مهمًا في العلاج، حيث يساعد في الكشف عن الصراعات النفسية التي قد يعيشها الفرد والتي قد تؤثر على تطور حالته. وأكدت القاضي أن نجاح العلاج يعتمد بشكل كبير على وعي الوالدين وتعاونهم في حضور الجلسات واستمرارهم في العلاج

من جهتها أكدت حنان الزهراني، أخصائي أول تخاطب في المدينة الطبية بجامعة الملك سعود، أن التحديات التي تصاحب المصابين بالتأتأة لا تزال تؤثر على تحسين حالتهم، وتترك آثارًا نفسية واجتماعية قد تبقى في ذاكرة المصاب بالتأتأة لفترات طويلة. وأشارت إلى أهمية توعية المجتمع بضرورة تفهم طبيعة هذه الحالات، وعدم زيادة الضغوط النفسية والبيئية على الشخص المصاب، حيث يعد العاملون في قطاع التعليم من بين الشرائح المجتمعية التي تترك بصمة كبيرة على نفسية وشخصية المصاب.

وتطرقت الزهراني إلى أن المعلم، بعد العائلة، هو الشخص الأول الذي قد يلاحظ علامات التلعثم على الطفل في
حنان الزهراني
سنواته الدراسية الأولى. وأوضحت أن تعامل المعلم مع الطالب المتأتئ بتفهم ومنحه مساحة آمنة للمشاركة والتحدث دون استعجال أو تعليقات سلبية، يسهم في زيادة ثقة الطالب بنفسه، ويحفزه على الحوار والتفاعل مع زملائه ومع الآخرين بشكل عام. وأضافت أن دور المعلم لا يقتصر على ذلك فحسب، بل يمتد إلى توعية الطلاب الآخرين بتقبل الطالب المتأتئ ومساعدته.

وأشارت الزهراني إلى أن العوامل النفسية في حياة الطفل تلعب دورًا كبيرًا في تحديد طبيعة التأتأة في المستقبل، مما يجعل من الضروري تعزيز جهود التوعية المجتمعية، خصوصًا في قطاع التعليم، لضمان بيئة داعمة للمصابين بالتأتأة تساعدهم على التطور والنمو الاجتماعي بسلاسة.