د. محمد العرب


في العالم، يُقدّر عدد الجزر بحوالي 900,000 جزيرة موزعة على مختلف المحيطات والبحار، حوالي 10,000 جزيرة منها مهددة بالغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة التغيرات المناخية، التي تُعتبر تهديدًا وجوديًا لعدة دول جزرية مثل المالديف وتوفالو، كما يوجد ما يقارب 500,000 جزيرة غير مأهولة، تُعد جزءاً من البيئات الطبيعية التي تتأثر بشكل كبير بالتغيرات البيئية.
في ظل هذه الأرقام المقلقة، تواجه الدول الجزرية تحديات متزايدة ترتبط بالبيئة، الاقتصاد، والأمن السياسي، مما يدفعها إلى البحث عن طرق مبتكرة للتكيف وتوحيد جهودها، توجد في العالم 50 دولة جزرية موزعة على القارات المختلفة ، لطالما كانت الدول الجزرية، مثل جزر المالديف وجزر الكاريبي وجزر المحيط الهادئ، محاور مهمة للتبادل التجاري والنشاط الاقتصادي بفضل مواقعها الجغرافية المتميزة. ومع ذلك، في العقود الأخيرة، تزايدت التحديات التي تفوق قدرتها على المواجهة الفردية، مما جعل الحاجة إلى تحالفات عابرة للحدود وخارج التصنيفات أمراً حتمياً لمواجهة هذه المخاطر المشتركة. التغير المناخي هو التهديد الأكبر الذي يواجه الدول الجزرية في يومنا هذا.
مع استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر، تواجه العديد من هذه الجزر خطر الغمر الكامل، مما يهدد وجودها. على سبيل المثال، تشير بعض التقديرات إلى أن جزر المالديف وجزر توفالو قد تختفي خلال العقود القليلة المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية للحد من هذه الظاهرة. في هذا السياق، يصبح التحالف بين الدول الجزرية أمراً ضرورياً لتوحيد الجهود من أجل التصدي لهذه المخاطر، التحالف يمكن أن يوفر منصة لتبادل الخبرات وتوحيد الجهود في مشاريع الحفاظ على البيئة والتكيف مع التغيرات المناخية، من خلال هذا التعاون، تستطيع الدول الجزرية مطالبة المجتمع الدولي بتمويل مشروعات حيوية مثل بناء الحواجز البحرية، تعزيز البنية التحتية المستدامة، وتطوير تقنيات زراعية قادرة على التكيف مع البيئات القاسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذا التحالف أن يكون صوتاً موحداً للدول الجزرية في المحافل الدولية، مثل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، للضغط على الدول الصناعية الكبرى لتحمل مسؤولياتها تجاه الانبعاثات الكربونية التي تساهم في تهديد وجود هذه الدول.
إلى جانب التحديات البيئية، تعاني الدول الجزرية أيضاً من أزمات اقتصادية ناتجة عن محدودية مواردها الطبيعية واعتمادها الكبير على قطاعات اقتصادية محددة مثل السياحة والزراعة. الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا، أظهرت هشاشة اقتصادات هذه الدول، حيث اعتمدت العديد من جزر الكاريبي بشكل شبه كامل على السياحة، وهو ما جعلها تعاني بشكل كبير خلال فترة الجائحة. هذه الأزمات أظهرت بوضوح أهمية البحث عن مصادر جديدة للاستدامة الاقتصادية. التحالف الاقتصادي بين الدول الجزرية يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي من خلال تعزيز التجارة والاستثمارات المشتركة وتطوير قطاعات مثل الطاقة المتجددة..
أما على الصعيد السياسي، غالباً ما تجد الدول الجزرية نفسها مهمشة على الساحة الدولية بسبب صغر حجمها وقلة تأثيرها. رغم أنها من بين الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، إلا أنها تواجه صعوبات كبيرة في جعل أصواتها مسموعة في المحافل الدولية. من خلال تحالف مشترك، يمكن للدول الجزرية تعزيز نفوذها على المستوى الدولي وتنسيق سياساتها الخارجية بشكل أكثر فعالية. تحالف الدول الجزرية لا يهدف فقط إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والبيئي، بل يسعى أيضاً إلى حماية مصالح هذه الدول بالمنظمات الدولية وخلق توازن جديد في العلاقات الدولية.
@malarab1