عبدالله الغنام


كم رأينا من تسجيل مرئي يزعم فيه البعض المظلومية، وربما هم يحسنون الأداء والتمثيل، وفي العادة أن الناس يتعاطفون مع المظلوم، خصوصا إذا كان طفلا أو امرأة أو كبيرا في السن، وهذا أمر طبيعي لأن الجماهير في الأغلب الأعم عاطفية، ولكن الإشكالية تكمن في الاستعجال في التصديق وإطلاق الأحكام، ومن ثمّ البدء في نقل المعلومات والفيديوهات بدون تثبت وتريث.
والواقع أن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي سهلت سرعة نقل الأخبار والشائعات والإشاعات.
ودورنا هو في التأكد من أي معلومة أو خبر قبل نشرها أو أرسلها، واليوم صارت الوسائل سهلة للتأكد من المعلومات عبر المواقع الرسمية على صفحات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات، وكذلك هناك القنوات الرسمية للتبليغ عن أي مخالفة أو حادثة أو ادعاء أو فساد.
أضف إلى ذلك أن الاستعجال في هذه الأمور والقضايا ليست هي الطريقة الصحيحة لحل المعضلة، فقد جاء في كتاب الأمثال: إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه، فلا تقض له حتى يأتيك خصمه فلعله قد فقئت عيناه جميعا! وكم شخص وقع في مصيدة الانتصار للآخر معتقدا جازما أنه هو المظلوم؟!
وليس من الضروري أيضا نقل الأخبار إذا كان ذلك لا يقدم ولا يؤخر، ولا يخدم مصلحة أحد، ولا بد كذلك من الوعي أن الجهات المسؤولة والرسمية هي المخولة والتي تملك الإمكانيات والأدوات والخبرات لتعامل مع مثل هذه القضايا من الناحية القانونية والإجرائية.

وعلى الجانب الآخر قد يكون المُدعى عليه هو المظلوم وليس المدعي! وبذلك يتضرر «المدعى عليه» نفسيا وماديا، بالإضافة أن إطلاق الإشاعات والترندات «الهاشتاقات» سيبقى له أثر طويل قد لا يزول حتى بعد رجوع الحق إلى أصحابه. فقد جاء في الأثر: كيف وقد قيل؟!
وتأملوا معي التعبير القرآني حين قال سبحانه وتعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ». وهذا وصف بديع وبليغ حيث يغيب العقل عند الاستعجال في نقل الأخبار، وكأن الكلام ينتقل من لسان إلى لسان دون أدنى درجات التريث والتروي والاستبصار.
ولا بد من التأكيد على أن الانجراف العاطفي خلف الأكثرية ليس كاف لصحة المعلومة، وليس هو بالتصرف السليم، ومن المشهور مقولة: المتهم برئ حتى تثبت أدانته، فينبغي التحقق من المعلومات والأدلة والحجج والبراهين، قبل رمي التهم جزافا. ولا شك أن الوقوع في الظلم بالخطأ أو الظن أمر جسيم، لأن الظن أكذب الحديث، وبالإضافة فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ».
وتجدر الإشارة إلى أهمية تحري الدقة في نقل المقاطع المرئية والمسموعة لأن التقنية الحديثة تطورت بشكل مذهل جدا، فيكمن عن طريق الفوتوشوب والذكاء الاصطناعي أو نقل مقطع مجتزأ من الصوت أو الصورة أو الفيديو، أن يخدعنا بالكلية، ويخالف أو يشوه الحقيقة على أرض الواقع.
ولعلي أُذكر أولئك الذين يتعمدون الكذب، ويطلقون الإشاعات بحديث عظيم، وشديد الوعيد، فقد جاء في الحديث النبوي الصحيح: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيانِي، قالا: الذي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذّابٌ، يَكْذِبُ بالكَذْبَةِ تُحْمَلُ عنْه حتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يَومِ القِيامَةِ».
وأؤكد على أهمية العمل بالقاعدة الذهبية التي تكاد لا تخطئ أبدا، وهي: «قل خيرا أو اصمت».
@abdullaghannam