عبر التاريخ، كان ولا يزال أي فرد من أي فئة عمرية وفق صفاته الفردية وبيئته إذا أراد أن يهيمن أو يسيطر فهو يقوم بفرض قوته الجسمانية أو استخدام مهاراته القيادية ليصنع له قوة مهيمنة تقوم باستعراض السلطة وفرضها حتى يهابه الجميع وهو ما يسمى اليوم بالتنمر، وحين كبرت الفكرة تشكلت العصابات ومن ثم القوميات العصبية، وحين كبرت صارت الحروب والغزوات والغارات لفرض هيمنة الاقوى، بدأت قبائل ثم مجتمعات ودول وأمة، وبعد أن تضعف أثر «الفكر المتنمر» المتمثل في الاستعمار والانتداب، يقنعها بالتحالفات معه. وبتلك الفكرة «البقاء للاقوى»، فإن الدول بحاجة لجيش قوي ولجند قوي ولاسلحة فتاكة ولاساطير بحرية وجوية، أو لحليف قوي يملك كل ذلك.
فبهذه الفكرة تكونت الحضارات على هامش حضارات، والدول على بقايا الدول، فكانت الحروب والاستعباد والاستعمار والانتداب، وعلى مر الزمن كان البقاء للأقوى هو المحرك لقيود الشعوب والدول وكذلك لبناء قوتها وتجديدها ليولد من رحم الخراب قوة جديدة، والخير في بطن الشر.
فالامر يحتاج للقوة لفرض هذه الفكرة، ولتتمكن الدول فهي بحاجة إما لجيش قوي أو لحليف قوي، ومع مرور الوقت صارت التحالفات والتكتلات تشكل قوة مشتركة تصنع قرار او دور أو فرض واقع، وعلى وقع تلك الحياة أوجدت التنافسية وهي إرهاص لحروب أو حروب باردة.
في وقتنا الراهن تغيرت الأيدلوجيات الحربية، فبدأت بهيمنة رأس المال، والعملة، والإعلام، والنظام الأمني القوي الذي شكل تنافسية للفوز والسيطرة، وتلك ما هي إلا عناصر قوة وليست القوة الأساسية، ولكن لا يمكن البخس من قدرتها ففي أوقات بعينها يمكن أن يتحول عنصر من تلك العناصر لقوة مهيمنة تنوب عن الغزو والاستعمار.
ولكن في الوقت الحالي بات كل فرد منا يملك عنصر من تلك العناصر التي تشكل القوة.ولذا، فإن قوانين الهيمنة تغيرت وتبعثرت ولا يمكن أن ترصد وتجسد وفق قاعدة بعينها، إذ لم تعد اليوم القوة في الجسد أو السلاح ولكن باتت في العقول والابتكارات، وكما قال الفيلسوف البريطاني هاربرت سبنسر «إن للمهن قوة مبتكرة في الحياة الاجتماعية، فبمجرد تحقيق ذاتها في الدفاع عن الحياة وتنظيمها وإدامتها، فإن المهن بشكل عام تعزز زيادة كفاءة الحياة».
الحروب الكلاسيكية تغيرت واستعدادت الدولة لخوضها تغيرت، وموازين القوى ايضا تغيرت، فالثروات التي كانت تمتلكها الدول باتت تمتلكها شركات مهيمنة، والاقتصاد ورأس المال صار من نصيب المبتكرين ومن يحسنون استخدام عقولهم.
وعليه يمكننا أن نتوسم في قمة بريكس أن تكون قوة اقتصادية تنافس الدول الصناعية الكبرى، فدول بريكس العشر تملك نصف سكان العالم أي نصف القوى والعقول البشرية، ناهيك عن أن بريكس التي تضم الاقتصادات الواعدة بلغ حجم اقتصادات المجموعة عام 2020، نحو 20 تريليون دولار، مقابل 40 تريليون دولار حققته دول السبع الصناعية، ويتوقع أن تنافس بريكس بقوة لتتجاوزها في عام 2030 وفق لبيانات والاداء الاقتصادي لتلك الدول.
ولكن، إن مجرد تشكيل تكتل يكبر مع السنوات وهو بعيد عن القوى الاقتصادية الأساسية، هذا في حد ذاته تنبيه لإمكانية التغيير الاقتصادي القادم به، فالعقول قادرة أن تصنع المفاجأت.
@hana_maki00