وليد الأحمد


@woahmed1

في العام 2003 تدنت سمعة الولايات المتحدة الأميركية عالمياً إلى القاع بالتزامن مع حشد قواتها العسكرية لغزو العراق للإطاحة بنظام صدام الحسين، وأظهرت استطلاعات الرأي في 19 دولة أن أكثر من ثلثي أفراد المتجتمع لديهم صورة سيئة عن أميركا لاسيما سياسات عهد الرئيس السابق بوش الإبن. هذه المعلومات ذكرها الأميركي جوزيف ناي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد ومساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بل كلينتون، وذلك في كتابه الشهير "القوة الناعمة" الذي ابتكر فيه مصطلحه الجديد، شارحاً فيه كيف تُشكّل عدالة القيم التي تؤمن بها الدول مع سياساتها الخارجية أحد أركان جاذبيتها في أذهان المجتمعات الأخرى.

وعلى العكس من ذلك، كانت الحرب على العراق، بزعم امتلاكه أسلحة للدمار الشامل، استناداً على تقييمات زائفة لأجهزة المخابرات الأميركية، كافية لكشف تناقض قيم حقوق الانسان في أميركا، مع ما فعلته ببلد ظل يدفع ثمن هذا الخطأ قتلى بمئات الآلاف مع الخراب والتخلف بسبب الصراعات الطائفية بين العراقيين حتى اليوم.

وعلى أن غزو العراق لم تكن المثال الأول الذي يتسبب في اهتزاز صورة البلاد الأكثر تقدماُ تكنولوجياً في العالم، والأوفر مورداً للقوة الناعة من أفلام وسينما وموسيقى وتلفزيون وصحافة، فضلاً عن قوتها العسكرية، بل سبق أن هوت شعبية أميركا بسبب أزمة قناة السويس 1956 وبسبب الحرب في فينتام في الستنينات. ولا تكاد تلبث موارد الجاذبية لأميركا في ترميم دمار الصورة التي خلفتها حروبها ومواقفها المتناقضها مع مبادئها، حتى تنكشف المبادىء مجدداً مع أزمة جديدة تهتز معها صورتها.

واليوم يعيد التاريخ نفسه في التحيز الأميركي الفاضح للعربدة الاسرائيلية والإبادة الممنهجة التي يتعرض لها شعب فلسطين الأعزل في غزة، بدعم أميركي بالسلاح والمواقف السياسية التي تغض الطرف عن قتل المدنيين، وهو موقف ينسحب على القوة الغربية الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانياً، الذين يعلنون كل يوم دعمهم المستمر لإسرائيل وتعهدهم بالدفاع عنها في حرب يسمونها دفاع مشروع عن النفس من خطر الأطفال والنساء.

القوى الناعمة هي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق جاذبية الثقافة والسياسة والمبادىء لا بالإرغام ودفع الأموال، ورأيي أن الغرب بكل مؤسساته التي ما فتئت تنسج صورتها كمجتمعات متحضره تقدس حقوق الانسان، كان يسقط دائماً في اختبار القضية الفلسطينة العادلة. وظل دائما يقدم مواقفه عائمة إذا ما اقتضى الأمر إدانة الجرائم الإسرائيلية، تتحول معها موارد جذابيته في دعم القضايا العادلة وتبني سياسات تقود لسلام دائم وعادل للمجتمعات إلى "قوة عائمة" لا تنصر مستضعفاً ولا تدين مجرماً مغتصباً للأرض منذ العام 1948.