د. محمد حامد الغامدي


عشت وشفت علماء طب، وهندسة، وجيولوجيا، وتربية وغيرهم من مختلف التخصصات. تحولوا بفعل تأثير مد محرضي «الصحوة» إلى دعاة. وظيفتهم الكلام والتنظير، يعتلون المنابر. لشهرة مشاهدها الباذخة، مكانة بين المخدوعين، تعتلي بهم تبجيلا ومقاما.

علماء تركوا أعمالهم العلمية التخصصية، انحرفت بهم إبرة الميزان نحو موجة البحث عن الشهرة الدينية، أصبح بعضهم يؤلفون كتب يدعون بأنها إسلامية، فيها يحرضون حتى بين طوائف المسلمين، يدعون الناس لحب الآخرة والزهد في الدنيا علما وحياة، فصلوا الناس عن الحياة، تعلقوا بقشور العبادات من أجل حياة الآخرة، لا يهمهم ضعف الناس وانكسار شأنهم في الحياة، المهم لدى هؤلاء المحرضين أن يكونوا هم الأعلون في الحياة، من خلال ترتيب مقاعدهم في مجالس هؤلاء الناس وموائدهم وأحاديثهم.
نشروا صوتهم وفكرهم عبر أشرطة الكاسيت، سوقوها بين الناس لمزيد من الشهرة وجمع المال، يستدرون عواطف الناس بالبكاء والعويل ورفع الصوت المكلوم، نصبوا أنفسهم أوصياء على خلقه، يوجهونهم وفق غايات لا يعلمونها، حتى التصفيق في المناسبات جعلوه من المحرمات التي نشروها. ولكن التهليل والتكبير يرتفع، كأننا في معارك لا نراها.
عشت وشفت أحد العلماء الجيولوجيا يكتب مقالات، يقدم فيه لنا مذهبا إسلاميا، بعضها لم اسمع به من قبل، كان يشرح، وينتقد، ويقيم، ويحكم. بالمقابل لم أجد له كتابا واحدا في علمه. تركوا المستقبل العلمي، التهوا بأعمال تنبيش الماضي بحثا عن معلومة يسجلون بها بطولة. لإقناع الناس بأنهم علماء، أهل ثقة، ليوسع لهم في المجالس.
عشت وشفت علماء علم بحت تحولوا إلى رجال دين، يوجهون الناس للعبادة وحدها، تخلوا عن مجال علمهم، احتلوا منابر الشهرة، والناس تتبعهم في كل محفل، يقودونهم إلى المزيد من التخلف والتجهيل، وقد طلبوا مني شخصيا أن أكون أحدهم لاستثمار قلمي، موجه راجت في ثمانينيات القرن الماضي الميلادي، كانت مزدهرة حتى في أمريكا حيث كنت أدرس، وجدت منهم من يزورني في بيتي. محاولين استمالتي إلى نهجهم. وترك الدراسة والخروج معهم إلى حيث لا أعلم.
أخضعوا كل شيء في الحياة إلى ميدان غامض الغايات، يروجون له باستمالة عواطف الأتباع، لم يأت أحد من قبلهم بما كانوا يسطرون، كأنهم يتهمون الأولين بالغباء وعدم الفطنة والفهم الصحيح للإسلام الذي يرون. جاؤوا لنا بالإعلام الإسلامي، والأدب الإسلامي، والقصة الإسلامية، والإعجاز الإسلامي، والبنوك الإسلامية، وحتى الزواج الاسلامي. أصبحت كلمة «إسلامي» برواز وملحق يلصقونه في نهاية كل أسم سائد. أبحروا بالناس في متاهات التعصب والتحدي الأجوف، وحالهم أضعف من بعوضة.
عشت وشفت قبل تخرجي جماعة جاءت لتلقي محاضرة في سكن الطلاب «عمارة كانت أشبه ببرج الحمام لكثرة بلكوناتها». أخذوا يحفزون الطلاب على ترك الدراسة والانضمام إليهم، وقفت في وجههم أمام الطلاب في حضور مشرفي السكن.
طلبت من الطلاب تجاهلهم. انتقدت مسعاهم، فما كان من مشرف الإسكان إلا إسكاتي عنوة. وإخراجي من القاعة أمام الجميع. ثم في وقت لاحق، أخذ على شخصي تعهد بعدم تكرار ما فعلت، بعد تخرجي وجدت أن هؤلاء كانوا من حطب أتباعهم . ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH