د. محمد حامد الغامدي


هل مهمتنا في الحياة العبادة وتعظيم شأنها دون عمل؟ كيف تشكلت جماعات دعوية تصول وتجول بعرض البلاد وطولها ونحن مسلمون؟ من كان يقف خلفها يوجه، ويخطط، ويحث، ويشجع؟ وصل الأمر بهذه الجماعات حد التفريق بين الأشقاء في منازلهم، طالوا حد تكسير التلفزيونات في البيوت، بعضهم افترش الحصير، لكنه يركب أحدث السيارات، جاءوا لنا بحياة التناقضات.
عشت وشفت يدهم طالت حتى صور الناس في إعلانات الشوارع. أيضا صور الأنعام في اللوحات المرورية الارشادية على الطرقات السريعة، وحتى الصور في المناهج الدراسية لم تسلم هي الأخرى، في إحدى المناسبات بجامعتي، تم اجبار المنظمين، وكنت أحدهم، تغطية صور في القاعة بالقماش، بحجة أن المحاضر يحرم تعليق الصور. أيضا منعوا الموسيقى في مسيرات التخرج.
عشت وشفت المطاردات في الشوارع لقص شعر الشباب. كانوا يرون تربيته مخلاً بالرجولة والمرجلة، كانوا ينزلون بالمقصات ومكائن حلق الشعر في الشوارع للتربص بالناس. عشت مشهد مهندس مشرف على تنفيذ تحسين وتجميل شارع، وجد نفسه محاطا بهم، أصروا على حلق شعره، طلب أخذه الى حلاق أمامهم، رفضوا، شوهوا شعره، تركوه في حال سيئة.
عشت وشفت مرحلة ظاهرة التنورة النسائية، اجتاحت العالم في ستينيات القرن الماضي وما بعده، قلدها بعض النساء والفتيات خاصة من المقيمين. شاهدت يوما نزولهم في الشارع، ورغم استنكاري لهذا التقليد الأعمى في اللبس، الا أن هناك وسائل وأدوات حضارية لمحاربة هذا الفعل، أقلها الكلمة الطيبة وليس الصبغ.
عشت معهم قصة شخصية في إحدى الليالي بشارع الملك سعود بالدمام، فجأة وجدت أحدهم أمامي يحتج على طول شعر رأسي، الحقيقة لم يكن طويلا بما يكفي ليتم ايقافي للمساءلة. فجأة تركني، شعرت بأنه سيعود . وبالفعل هذا ما حصل، ولأني متابع لكل ما يكتب في جريدة «اليوم» في حينه، كنت أعرف أنه صدر تعليمات لهؤلاء بعدم الدخول في المحلات، وحصر ممارساتهم على المشاة في الشوارع.
عندما شاهدت عودة أخونا، دخلت محل أعرف صاحبه، طلبوا مني الخروج لقص شعري، رفضت. تجمع الناس، البعض من أصحاب الدكاكين يعرفون من أكون، في لحظة جاء أحد أهل الوقار، نظر إلي بنظرة عرفت رسالتها. استطاع أخذهم جانبا عن باب المحل، فهمت من حركته تلك أن أهرب من المحل، بالفعل مع استدارتهم أطلقت لرجلي العنان. لم أتوقف إلا في بيتنا القريب من هذا الشارع، وصل الأمر لوالدي. قال: تحمل قراراتك، واجه ولا تهرب، إذا وقعت في أيديهم لا تقاوم. احترم.
عشت وشفت مراحل عديدة من ممارسات جماعات فكر منغلق. نصبوا أنفسهم حراسا، حللوا وحرموا وفق قواعد لعبة مجهولة الأبعاد لمجتمع سليم النية، كانت عقول هذه الجماعات مكبلة ومقفول عليها بمفاتيح.. ضيعتها أزمان التخلف لقرون، مع الجهل نخسر العقول ويصبح أمر استعمارها وتوجيهها نحو مهاوي الردى والتخلف سهل المنال. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH