اليوم - الرياض


هيرفي رينارد، المدرب الفرنسي البارز الذي يقود الأخضر السعودي حاليًا، يُعد من بين المدربين العالميين الذين تركوا بصمة مميزة في كرة القدم الإفريقية والعربية.

عُرف بتوجهاته التكتيكية الفريدة وأساليبه غير التقليدية التي تعتمد على التنظيم الدفاعي والانضباط التكتيكي، مع قدرة عالية على توظيف إمكانيات اللاعبين.

حقق رينارد نجاحات متعددة، لاسيما مع منتخبي زامبيا وساحل العاج في بطولة كأس الأمم الإفريقية، وأثبت جدارته كمدرب قدير بعد انتقاله لتدريب المنتخب السعودي، حيث قاده إلى التأهل لكأس العالم 2022، مقدماً أداءً مثيرًا خلال البطولة.

وبعد المونديال ترك رينارد الأخضر من أجل تدريب منتخب سيدات فرنسا، ولكن بعد عام عاد مرة أخرى لقيادة الصقور، وسيكون ظهوره الأول بعد العودة أمام أستراليا يوم الخميس، بالتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026.

قراءة فنية لأسلوب هيرفي رينارد

تتميز فلسفة رينارد في التدريب بمرونتها وتكيفها مع اللاعبين المتاحين، لكنه يضع دائمًا الانضباط التكتيكي على رأس أولوياته. يتميز أسلوبه بتركيزه على التحضير الذهني والبدني، وتطبيق تكتيكات محددة تتناسب مع إمكانيات الفريق ومتطلبات المنافسة.

هنا سنستعرض أبرز جوانب وطريقة لعب هيرفي رينارد.

1. التنظيم الدفاعي الصارم
يعتمد رينارد بشكل أساسي على تنظيم دفاعي محكم، حيث يعتبر أن الدفاع هو الأساس لبناء الهجمات. يعمل على تهيئة لاعبيه للالتزام بالمراكز، ويحرص على توفير غطاء دفاعي مزدوج للتعامل مع هجمات الخصم. وفي أغلب تشكيلاته، يفضل رينارد اللعب بخط دفاعي مكون من أربعة لاعبين، إلا أنه يستعين أحيانًا بخمسة مدافعين إذا استدعى الأمر ذلك، خاصة أمام المنتخبات الكبيرة.

عند فقدان الكرة، يحرص على أن يتراجع خط وسط الفريق لتضييق المساحات أمام الخصم، ويعتمد على مبدأ الضغط المكثف في مناطق معينة من الملعب، مما يمنح فريقه فرصة استعادة الكرة بسرعة وإعاقة تطور هجمات المنافس.

2. التركيز على الهجمات المرتدة السريعة
تعتبر الهجمات المرتدة السريعة واحدة من أهم ملامح أسلوب رينارد الهجومي، حيث يميل إلى استغلال سرعة لاعبيه وقدرتهم على التحرك بسرعة نحو الأمام عند استعادة الكرة. يبدأ الهجوم عادة من خلال تمريرات سريعة ودقيقة، ويشجع لاعبي الوسط والأجنحة على التحرك بشكل ديناميكي لفتح المساحات أمام المهاجمين.

كما يُجيد رينارد توظيف اللاعبين المهاريين والسريعين في خط الهجوم، مما يعزز من خطورة فريقه في الهجمات المرتدة. يتميز الفريق بقيادته بالانتقال السلس من الدفاع إلى الهجوم بفضل تحضير تكتيكي منظم، حيث يوجه اللاعبين للتحرك الذكي لاستغلال المساحات المفتوحة.

3. المرونة في التشكيل واختيار طريقة اللعب
رغم أن رينارد يميل للعب بتشكيلة 4-2-3-1، إلا أنه لا يتردد في تغيير خططه وفقًا لمتطلبات المباراة. يلجأ أحيانًا إلى خطة 4-4-2 أو 4-3-3 حسب طبيعة المنافس، وغالبًا ما يعتمد على تشكيل هجومي ضاغط إذا كان فريقه بحاجة إلى الفوز أو اللعب بتوازن دفاعي عندما يكون الخصم ذو مستوى عالٍ.

المرونة في التشكيل تمنح رينارد القدرة على تعديل خططه التكتيكية خلال المباراة حسب تطور الأمور على أرض الملعب، مما يساعده على الحفاظ على التوازن والتكيف مع المواقف المختلفة.

4. الانضباط التكتيكي وأدوار اللاعبين
يعرف رينارد بانضباطه الشديد، فهو يحرص على أن يلتزم كل لاعب بدوره المحدد. يتميز أسلوبه بالوضوح، حيث يحدد أدوارًا واضحة لكل لاعب، ويمنح اللاعبين التعليمات بشكل دقيق. هذا الانضباط ينعكس في قدرة الفريق على التعامل بفاعلية مع أساليب لعب الخصوم، إذ أن اللاعبين يكونون على دراية تامة بمسؤولياتهم في الملعب.

ويشدد رينارد على أهمية الدعم المتبادل بين الخطوط، بحيث يعود المهاجمون للمساندة الدفاعية، ويتقدم المدافعون في الكرات الثابتة لتعزيز الهجوم. هذا الأسلوب يُظهر التزامًا جماعيًا، ويخلق فريقًا متماسكًا قادرًا على مواجهة تحديات المباريات القوية.

5. التحفيز والإعداد الذهني
يُعتبر رينارد من المدربين الذين يهتمون بالتحفيز الذهني بشكل كبير، ويعرف بكاريزما قوية وتأثير إيجابي على لاعبيه. يستعين دائمًا بالحديث التحفيزي قبل المباريات ويحفزهم لبذل أقصى ما لديهم. هذا الجانب النفسي ساهم في تحفيز لاعبيه خلال مباريات حاسمة، حيث يتميز رينارد بقدرته على تعزيز الثقة بالنفس، وهو ما برز في العديد من اللحظات الحاسمة في مسيرته.

6. الاعتماد على الكرات الثابتة
يولي رينارد اهتمامًا كبيرًا بالكرات الثابتة، سواء في الهجوم أو الدفاع، حيث يعتبرها سلاحًا مهمًا للوصول إلى مرمى الخصوم. يقوم بتدريب اللاعبين بشكل مكثف على تنفيذ الكرات الثابتة، ويستخدم استراتيجيات مختلفة في هذا الجانب، مثل التحرك الخداعي والتمركز الذكي لاستغلال الكرات العرضية والركلات الركنية.

في الجانب الدفاعي، يعتمد رينارد على تنظيم دقيق في الدفاع ضد الكرات الثابتة، ويحرص على وضع لاعبين يتمتعون بمهارات دفاعية وبنية جسدية قوية للسيطرة على الكرات العالية.

7. بناء هجمات منظمة من الخلف
على الرغم من اعتماده على الهجمات المرتدة، إلا أن رينارد يعتمد أيضًا على بناء هجمات من الخلف عندما يكون الفريق في وضع مستقر. يشجع المدافعين على التحرك بهدوء ونقل الكرة إلى خط الوسط بأسلوب منظم ودقيق. يُستخدم أسلوب التمريرات القصيرة والسريعة لضمان السيطرة على الكرة وإجبار الخصم على ارتكاب أخطاء.

عادةً ما يعتمد رينارد على توزيع الكرة من المدافعين إلى لاعبي الوسط ومن ثم توجيهها إلى الأجنحة، حيث يتمكن لاعبوه من نقل الهجمة إلى الثلث الأخير من الملعب.

نقاط القوة في أسلوب رينارد

أسلوب هيرفي رينارد يمتاز بعدة نقاط قوة، أبرزها:

التنظيم الدفاعي المحكم: قدرة الفريق على حماية مرماه بفضل التنظيم الدفاعي القوي.
التحولات السريعة: الانتقال من الدفاع إلى الهجوم بسرعة وفعالية يجعل الفريق يشكل خطرًا مستمرًا في الهجمات المرتدة.
التكيف مع المنافسين: مرونة رينارد في تغيير الخطط والتشكيلات تجعل فريقه قادرًا على مواجهة مختلف أساليب اللعب.
الالتزام الجماعي: الانضباط التكتيكي الصارم يعزز من وحدة الفريق ويجعل كل لاعب يقوم بدوره بشكل فعّال.
تحديات أسلوب رينارد

رغم نجاحات رينارد، يواجه أسلوبه تحديات، أبرزها:

ضعف الاستحواذ في بعض الأحيان: أسلوبه الدفاعي قد يجبر الفريق على التراجع وإفساح المجال للخصم، مما يجعل نسبة الاستحواذ منخفضة أحيانًا.
تعتمد على الحالة البدنية: أسلوب اللعب الذي يتطلب مجهودًا بدنيًا قد يسبب تعبًا للاعبين في المباريات المتتالية، مما قد يؤدي إلى ضعف الأداء في مراحل متقدمة.
صعوبة تسجيل الأهداف ضد الدفاعات المغلقة: اعتماد رينارد على الهجمات المرتدة يجعله يجد صعوبة أمام الفرق التي تعتمد على دفاع قوي ومنظم.
خلاصة
هيرفي رينارد مدرب تكتيكي يجمع بين الدفاع الصارم والهجوم السريع، ويجيد تحفيز لاعبيه للتألق في اللحظات الحاسمة. بفضل مرونته وقدرته على التكيف، استطاع رينارد قيادة فرق ومنتخبات إلى تحقيق إنجازات استثنائية. ورغم التحديات التي قد يواجهها أسلوبه، يظل رينارد أحد المدربين البارزين الذين يمكنهم إحداث تغيير إيجابي في أداء أي فريق يدربه، ويعتبر من الأسماء التي تلهم اللاعبين وتساعدهم على الظهور بأفضل ما لديهم في المباريات الصعبة.