- في حياتي أساتذة مؤثرين، يحملون فلسفة رسالة بناء، يدركون ثمارها المستقبلية. كانوا يبذرون بذور القيم في نفسي بجميع مراحل التعليم، لتنبت في كل مراحل العمر. العجيب أنها مستدامة الإنبات، حتى مع بلوغي مرحلة الشيخوخة. قيم زرعوها، جعلت كل أعمالي وتصرفاتي عبادة. أقول بهذا فخرا بهم وإشادة.
- بتلك القيم أصبحت المؤمن القوي علما ومعرفة وعطاء. تسندها مكارم أخلاق تشبعت بها في مسيرة حياتي الاجتماعية. الأساتذة وكلاء المجتمع، لهم التبجيل والدعاء الطيب. دورهم في بناء الأجيال لا يعوضه أحد. بعطائهم كنت أدعوا وما زلت: اللهم وفقني لخدمة وطني والناس عامة.
- المؤمن القوي ليس فقط قوي الإيمان، فهذا مفروغ منه. أيضا ليس من يملك الخوف من الله؛ ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ وينصح الناس؛ ويبذل المعروف؛ ويكف الأذى؛ ويكثر من الأعمال الصالحة، ثم يتوقف عند هذا الحد، ما يجعل المؤمن قوي الإيمان هو تعلم العلم بتقنياته، وتطبيقاته، وفنونه الإبداعية، ومهارته، وعطاؤه. تلك فلسفة لم تدركها جماعات الصحوة فانحرفت بهم إبرة الميزان نحو حصر رسالة الإسلام في الشكليات.
- الدين ليس علما يخترعونه، لكنه أسس أخلاقية لقواعد بناء وتعمير الأرض علما وسلاما وعدلا، الدين يعزز مكارم أخلاق ليصلح بها الفرد نفسه، ثم ينقلها ممارسة من أجل تعميق ونشر جذور رسالتها الإنسانية في العالم أجمع.
- العلم سلطان يجعل المؤمن القوي مشروع رسالة لآخر غير مؤمن، العلم يجعل إيمان الفرد أقوى وأعظم تأثيرا، علماء المسلمون الأوائل كانوا علماء بمنهج قيم الدين، يرون علمهم أفضل عبادة، فشكلوا حضارة، وأسسوا لعلوم متعددة منهجها مستمرا حتى اليوم، بفهمهم لرسالة دينهم الإسلامي أصبحوا قوة تعزز فلسفة التحام منهج الدين والدنيا. معها تتحقق رسالة الإسلام للعالم. عطاء يشكل جسم منفعة الناس قاطبة.
- يقول سبحانه: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، الذاريات «56». وعليه.. إن حصر وظيفة الإنسان في العبادات دون غيرها هو الفهم الناقص لفلسفة هذه الآية. العمل كعبادة أهم. يقول سبحانه: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»، التوبة «105». العمل يراه الجميع.
- بسبب جماعات الصحوة أصبح الناس يعيشون حياتين، حياة ظاهرة للعيان وأخرى مخفية بينهم وبين الله، لأن الله عندهم أرحم من الذين نصبوا أنفسهم محذرين ومنذرين، وكأن الله جعلهم وكلاء على خلقه. يأخذون بالقشور ويعظمونها حتى أصبح الدين عندهم مظهر. في حقيقتهم يبحثون عن علو مركز في الحياة، على حساب تخويف الناس من بطش ربهم بهم.
- المفروض الا يعيش الفرد أي صراع مع نفسه. كل الأشياء واضحة أمامه. في غياب هذا الوضوح يأتي الصراع. أيضا يحتد مع غياب القدرة على اتخاذ القرار الصحيح حول الأشياء المتضاربة في النفوس. مساحة الاستيعاب هي المعيار الحقيقي لجودة وصحة القرار. الصراع ثمرة ما نزرعه في هذه المساحة من تناقضات.
- جماعات الصحوة غيبت تفعيل الطاقات التي وضعها الله في خلقه. حيدت دور الفرد كوحدة عطاء بمنهج وفلسفة مستقلة. بتفعيل هذه الطاقات تشكل المجتمعات البشرية حضارة قوية. تغييب طاقات الإنسان المسلم خسائر حضارية. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH