سعود القصيبي


المنطقة الشرقية معروفة لدينا اليوم بصناعة البتروكيماويات وإنتاج البترول فهي مقر أكبر شركاتها في المجال، لكنها لم تكن كذلك عبر التاريخ. وما يميزها بالفعل هي قدرتها على التطور واستمرار المعيشة فيها والاستقرار البشري. وهي ليست كمثيلاتها من المناطق التي استوطنت وهجرت أو ثم استوطنت، فالاستيطان بالمنطقة الشرقية فيها مستمر ومنذ العصور البشرية الأولى ولم يتوقف.
وعندما نسمع عن اكتشاف هنا وهناك ولا نسمعه هنا. ذلك لأننا لا نتحدث بالمنطقة عن مجهول، فالمنطقة تتابعت عليها الحضارات وبدايات إنشاء المدن والحضارة، وما اكتشف فيها كاف ليكون أكبر منطقة للسياحية التاريخية وأكبر مشهد لها بالمملكة قاطبة، إلا أن دوما لا يزال عالقا بالأذهان انها منطقة الصناعات النفطية مما يؤثر وبشكل مباشر على تنمية السياحة الأثرية بها.
ولننظر إلى أول مشروع سمعنا عنه في مجال السياحة التاريخية وهو مشروع دارين من إعادة تأهيل قلعة الفيحاني التي ليس لها وجود في زمننا فقد اندثرت بالكامل مع علمنا أن عمرها لا يزيد عن المائة وخمسين عام، إلا أن ما هو أهم منها أسفلها فهو قبل الفترة الإسلامية وبالنهاية المبنى المندثر كان لأحد تجار منطقة الخليج العربي، والمشروع بشكل عام نبع من أسباب برامج رفع جودة الحياة كسياحة محلية فهو جزء من تاريخ دارين الحديث وليس من أهدافه استقطاب السياحة الخارجية.

إقرأ أيضاً في : كلمة ومقال

وما يهم عندما نتحدث عن السياحة ليتماشى مع الرؤية هو عنصر استقطاب السياحة الخارجية، وهناك مبادرات جيدة من عدد من القطاعات الاستثمارية كما مع الاستثمارات العامة بمشاريع جاذبة عصرية وواعدة إلا أنها وحيدة في مجالها وتشكر عليها، كما أن هناك أفكار لمشاريع لم توائم المنطقة فلم يتمكن من تنفيذها من عدم إقبال المستثمرين عليها، وهناك مشاريع بدأت وتوقفت وربما لعدم اكتمال عناصرها للاستقطاب السياحي الأمثل، إلا أن ما يميز المنطقة على العموم تاريخها وآثارها ليجد سياح الخارج ما يزوره ويسوق من مواقع.
وهناك تتابع أثري كبير بما اكتشف من آثار بالمنطقة الشرقية بداية من عصر الديناصورات ومنذ ملايين السنين حيث اكتشفت بالمنطقة آثار لأسماك متحجرة، وما عثر بالمنطقة على موقع لنيزك ضخم وبقايا منتشرة لقطع صغيرة تمثل فترة انتهاء عصر الديناصورات ومنذ تسع مئة ألف عام، وننتقل بعدها إلى انتهاء العصر الثليجي الأخير ولعشرة آلاف سنة قبل الميلاد من العثور على بقايا لعظام ماموث، وما تلاه من اكتشاف من مواقع لحضارة العبيد المؤرخة بستة آلاف سنة قبل الميلاد وهي أول حضارة على وجه الأرض، ثم نجد بالمنطقة الشرقية مما عثر عليه لمواقع دلمونية من بناء ومدافن منتشرة كثيرة أرخت تقريبا بثلاث ألف عام قبل الميلاد ارتبطت بحضارة بلاد الرافدين من معتقدات سومرية بأرض البعث والخلود ومستقر لنبي الله نوح بعد الطوفان، ثم نأتي للفترة التي تلتها من تواجد لليونان بما عرف بالفترة الهلنستية والتي يمثلها بالمنطقة موقع ثاج الأثري المعروف.
ثم نأتي للفترة التي تصارع فيها الرومان والساسان من حيث تغير العبادات من الوثنية ومن محاولة الانتشار، فنجد بالمنطقة آثارا للنصرانية التوحيدية القديمة من مراكز وابرشيات لها، ثم نأتي على الفترة الإسلامية فنجد أول الجوامع خارج المدينة المنورة ومن آثار ومواقع لحروب الردة. ثم البقايا مما عثر عليه من مواقع ومدن أثرية أموية ثم عباسية وما تلاها ثم فترة الاضطراب من معارك الزنج وحكم القرامطة، ومما تم الحفاظ عليه من مواقع أثرية بالأحساء لبني جبر الذين حكموا ساحل الخليج العربي إلى قدوم البرتغاليين مع الهرمزين الذين تركوا بصمتهم في تاروت ودارين والقطيف، ثم العثمانيون الذين تركوا بالأحساء ومينائها مبان وقلاع، ثم بنوا خالد الذين أسسوا مدننا جديدة ليس فقط بالمنطقة انما بالخليج العربي. ثم مما هو بالمنطقة من آثار القدوم الميمون للمنطقة ممثلا بالدولة السعودية الأولى، كما زاد فخرا المنطقة ان كانت بها الدرعية الأولى.
كل هذه الآثار والتاريخ بالمنطقة يلزمها استراتيجية سياحية خارجية واضحة يتخلجها عبق التاريخ والآثار كمكون أساسي معتمدة علية لتكون عنصر جاذب للزيارة، فليس كمثلها منطقة بها هذا الزخم من الآثار وعمق التاريخ ومن تتابع حضري.
@SaudAlgosaibi