ناهد الرطروط


نعيش في زمن تطور فيه كل شيء إلا الأخلاق، زمن كل ما يحيط بنا فيه ذكي إلا العقول، كل ما حولنا تقدم إلا الفطرة قد انتكست، نعيش زمن يتواصل فيه الإنسان مع شخص في آخر العالم وهو في بيته، وعلى مسافة ضغطة زر، ولكنه قد لا يرى أهل بيته يوميا، في عالمنا وزماننا أصبح البعض يعيشون في بيوت بلا جدران ولا أسقف، العالم كله يشاهد تفاصيل حياتهم ما يأكلون ويشربون، وما يلبسون ومتى إلى النوم يخلدون، حتى الزواج والمشاكل الزوجية والطلاق، تفاصيلها مستباحة وعلنية، لمن يريد من سكان الكوكب، لكن لا أحد منهم يعي ويعرف مشاعر شريكه، حتى النجاح والفشل استُحدِثت لهما معايير جديدة، قُرِنت بعدد المشاهدات وعدد المتابعين، ومن بطل «ترند» بغض النظر عن سبب النجاح و الترند، فأبدعنا في تنجيم الفشل وأتقنا تصدير الأغبياء لواجهة حياتنا، ليصبحوا قدوات لأطفالنا.
في هذا الزمان اختل الميزان وهدم البنيان وانقلب الإنسان على صواب أمسه ليغدو خطأ يومه، والعكس موجود، وبات كل شيء مباح تحت مسمى الحرية الشخصية وأنت حر ما لم تضر، فغرقت وسائل التواصل بسيول من مشاهد ومقاطع مصورة تجرح العين وتدمي القلب، حيث نرى ذكورا يعلمون الفتيات كيف يضعن مساحيق التجميل، وكيف يعتنين ببشراتهن وشعورهن التي باتوا ينافسوهن في طولها، المبادرون بعرض سخافاتهم وحياتهم على الملأ، أما بالنسبة للإناث فحدث ولا حرج، إما نجد أنهن قررن ملأ فراغ هؤلاء الذكور بأشكال مبهمة وتصرفات فظة، فالكثير منا شهد على عراك شوارع بينهن وكأنهن قطاع طرق ومرتزقة، أما البعض الآخر، قررن ملأ فراغ الفئة الأولى بشكل يبعث على الغثيان، فقد رأين أن الأنوثة بالتعري، والسماجة الفجة تحت مسمى الدلع، على وسائل التواصل الاجتماعي وفي اللقاءات، والضرب بعرض الحائط بكل القيم، متناسيات أن جمال المرأة في حيائها وعفتها، فأصبح كل همهن أن يلاحقن ما هو شائع ورائج، فإن كان الشائع رقصة تبارين لإبراز مهاراتهن وإن كان الشائع لباس وطريقة وضع مساحيق تجميل تهافتن على الأسواق لشراء المطلوب، لتكون كل منهن الأبرع، فلم ننسى بعد «الترند الهندي»، و المضحك المبكي، أن حتى الحيوانات لم تسلم من تفاهة بعض البشر، فكلنا شهدنا جنون «ترند الغزالة» الذي لحقته آلاف الإناث.
أما المصيبة الأخرى التي وصل لها البعض هي السخرية من أقدس قيمة في الحياة وهي الأم، فكم نشهد في كل يوم من منشورات تسخر من أمهاتنا، وتنتقد تصرفاتهن بشكل بشع، لنصنع منهن مادة للسخرية ورسومات كاريكاتورية تسخر من تربيتهن وكلامهن وتصرفاتهن دون الالتفات إلى أفضالهن عليهم .
وأخيرا أود أن أنوه أنني إنما تكلمت في معرض حديثي عن ذكور لا يمتون للرجولة بصلة وأتمنى لهم الهداية، وإناث لا تربطهن بالمرأة العربية الأصيلة صلة وأدعو لهن بالهداية أيضا، وأتمنى أن يكون كل ما سبق مجرد «ترند» صعب وعنيد يأخذ وقته وينتهي.
RatroutNahed@