خلال العقود الماضية عملت جاهدا لتخليق وتشكيل وعي بأهمية الحفاظ على الماء. أن يكون هناك قناعة لدى كل فرد بأهمية استدامة الحصول عليه، ويلبي الحد الأدنى من احتياجاته اليومية الأساسية، أن يكون للماء قيمة اعتبارية تتعاظم مع ندرته، لكنها ثابتة مع وفرته. وذلك بجانب قيمته الحقيقية، تماما كمعدن الذهب الذي نعرف.
توفر الماء لتلبية احتياجاتنا اليومية ولجميع الأغراض، مطلب حياة مستدام الأهمية، إن توفر الماء طبيعيا في بلادنا ضرورة لمواجهة الطلب المتزايد عليه. هذا المبدأ إذا لم يجعل الفرد يؤمن بأن الماء خط أحمر في حياته، فهذا يعني وجود خلل يجب تلافيه.
الماء ضرورة وليس ترفا، أن نستعمله ونحافظ على استدامته، أن نأخذ منه قدر حاجتنا دون اسراف وتبذير، نحن في ظل ندرته في بلادنا مستأمنون عليه، مع هذا الفهم، هناك ضرورة ليصبح الحفاظ عليه منهج حياة دون توجيه من أحد.
أن نخشى غياب الماء، أن ننتفض ضد فقد أي قطرة في غير محلها، الماء متعلق بالحياة والموت. هذا يعطيه أهمية استثنائية، تعمل لتعظيم شأنه، وتزيد من واجبات حسن إدارته والتعامل معه، أيضا تقديس الغيرة عليه حتى في وفرته.
الندرة عامل رئيس لتحديد أهمية الشيء. الحقائق تؤكد أن الماء نادر ومحدود في بلادنا - حفظها الله -. هذا يعزز مسؤوليتنا أمام حاجاتنا لاستدامته، أقول بهذا لأن المياه الجوفية بجميع أشكالها، في ظل غياب المياه السطحية، هي مصدر الماء الطبيعي الوحيد المتاح لنا ولأجيالنا، وهي مصدر حوالي 90 % من احتياجاتنا من المياه لجميع الأغراض.
أدعو إلى تلافي رهن أرواحنا ومصيرنا للمصادر المائية الاصطناعية رغم أهميتها. أن نتذكر دوما بأنها ذات عمر افتراضي؛ قابلة للأعطال؛ يمكن أن تكون أداة تهديد، هذا هو المخيف في أمرها مع أسباب أخرى، علينا تحييد هذا الخوف بتعظيم أهمية مياهنا الجوفية وشأنها. أيضا حمايتها من الاستنزاف الجائر، علينا أيضا تعظيم العناية ببيئة المناطق الجبلية المطيرة جنوب غرب المملكة.
الحقائق تؤكد حاجتنا لغرس قيم استدامة الماء، وفرضها في نفوس الأجيال كمنهج حياة. قيم هذه الاستدامة لن تتحقق بدون إثارة القلق المشروع على الماء في فكر كل مواطن، لنجعل الدفاع عن الماء عقيدة يدافع عنها كل فرد، ويتبنى توريثها لأجياله. لهذا كان عنوان أحد كتبي: «الماء وطن».
سعيت جاهدا خلال العقود الأربعة الماضية أن يكون الحفاظ على الماء من قيمنا الثابتة والراسخة والمتوارثة. هل نجحت في هذا؟ لا أعرف إلى أي مدى وصل هذا النجاح، لكن أعرف جيدا أنني بذلت قصارى جهدي، ووقتي وإمكانياتي لتحقيقه، هذا يعطيني الراحة والرضى والثقة لأقول: نعم.
عندما تكون وحدك في الميدان، تعمل بجد ومثابرة لتحقيق منفعة للآخرين، فإن أي انجاز مهما صغر يمثل نجاحا كبيرا، أيضا يمثل نجاح إرادة تحدي جادة، عشتها بفخر. أيضا استمتعت بدفاعي عن المياه الجوفية من الاستنزاف الجائر، وهذه قوة محفزة.
ستظل مياهنا الجوفية بشكليها المتجدد في مناطق الدرع العربي، وغير المتجدد في مناطق الصخور الرسوبية المصدر الاستراتيجي الطبيعي لاحتياجاتنا من المياه، ستظل المخزون الاستراتيجي الطبيعي لمواجهة العطش، ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH