لماذا نحتاج للتأمل؟ للإجابة على السؤال لابد من التفصيل، ولكن يكفي أن نعرف ابتداءً أن هيئة الأمم خصصت حُجرة في مقرها تسمى «غرفة التأمل». وهذا يدل على أهمية اتخاذ القرار في أحايين كثيرة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني فضلا عن السياسي، وترمز هذه الغرفة أيضا على ضرورة التأني قبل التسرع، وللتذكير بفعالية التفكير قبل التدبير.
حديثنا اليوم عن التأمل، لأن يوم «21» من شهر ديسمبر الحالي يوافق «اليوم العالمي للتأمل»، ومن المؤكد أن أي إنسان تمر عليه أزمات وصعوبات يحتاج إلى فترة توقف للتفكير والتأمل، ولإعادة شحن طاقته وقدرته لتحمل الضغوط الأسرية والمهنية والاجتماعية وغيرها.
من ناحية التعريف وبحسب هيئة الأمم التأمل هو: «عبارة عن ممارسة يستخدم فيها الفرد تقنيات مثل اليقظة أو التركيز أو التفكير المركّز لتدريب العقل وتحقيق حالة من الوضوح العقلي، والهدوء العاطفي، والاسترخاء الجسدي»، وهذا التعريف يبدو طويل جدا! وأعتقد أن التأمل باختصار هو: التفكير بعمق وصمت.
وعند البحث عن كيفيته، سنجدها تتناول على سبيل المثال اختيار المكان المناسب والهادئ، الوضعية المريحة، إغلاق العينين، التنفس بعمق، التركيز على الفكرة الواحدة، ترديد العبارات الإيجابية، المشي والتأمل معا، الدعاء «وبحسب موقع مايو كلينك: الدعاء من أشهر أنواع التأمل وأكثرها استخداما»، وغيرها من الأساليب والطرق التي يمكن الرجوع إلى بعض المصادر الموثوقة في هذا الجانب. وأيضا يكمن للتأمل أن يمارس بشكل يومي ما بين ساعة أو دقائق.
وفوائد التأمل متعددة ومتنوعة منها، تقليل التوتر والقلق، تحسين المزاج، تقليل الضغوط النفسية، رفع مستوى التركيز والذاكرة، تحسين العلاقات الاجتماعية، القدرة على اتخاذ القرار بشكل أفضل، تعزيز فرص الأفكار الخلاقة والمبدعة، الحد من المشاعر السلبية، تحسين جودة النوم. بالإضافة إلى الآثار الإيجابية على صحة الجسدية.
ولو نظرنا إلى الموضوع من الناحية الدينية، سنجد هناك إشارات واضحة لهذه المسألة في القرآن الكريم، والتي تأمرنا بالنظر والتفكر في عجائب الكون، وفي مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وكذلك النظر في آثار الأمم السابقة للعظة والعبرة. وفي السيرة النبوية كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - قبل النبوة قد: «حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - «وهو التعبد» - الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله». وقد جاء في الأثر: «تدبر ساعة خير من عبادة سنة»، ولعل المقصود بالتدبر هنا، هو التأمل للقرآن العظيم، وتعلم الفقه والعلم مقارنة بعبادات النوافل. وقيل لإبراهيم بن الأدهم: إنك تطيل الفكرة، فقال: الفكرة مخ العقل. وكان سفيان بن عيينه يتمثل بقول: إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة.
ولو أردت أن أبسط المسألة، فسوف أقسمها إلى قسمين، الأول: التأمل الأصغر، وهو في المشاكل اليومية والحياتية أيا كان شكلها وحجهما ونوعها، وأما القسم الثاني، وهو الأهم والأكبر: التأمل بعمق في الإجابة على سؤالين مهمين، لماذا خلقت؟ وما دور الذي سوف أقوم به في الحياة؟ وحين نتقن بصدق «قولا وعملا» الإجابة على هذه السؤالين، سنعيش براحة وهدوءً أكثر، وفي المقابل، لا يعني ذلك أننا لن نواجه تحديات وعقبات ومتاعب في الحياة، ولكن سنعرف كيفية التعامل معها بناءً على هذه الإجابات.
إن مسألة التأمل نشأت منذ القدم للبحث عن الإشباع الروحي والنفسي معا.
@abdullaghannam