في ليلة شتوية من ليالي أبها البهية تلقيت دعوة كريمة لزيارة متحف «دار فيصل» والذي تم تدشينه في شهر ربيع ثاني من العام 1446ه، والذي برز من خلاله عدد من الوثائق والصور والمصورات القديمة، وبعض القطع العتيقة، وخصها بمكان بارز بمنزله الجميل بحي الصفا بمدينة أبها ليجسد قيمة الموجودات والمقتنيات لديه. دار فيصل تحكي قصة امتدت لأكثر من مائة عام لمدينة أبها وما جاورها، قصة الولاء والبناء منذ سطوع شمس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود-طيب الله ثراه-، قصة الصمود والكفاح في مواجهة الحياة بمتاعبها ومصاعبها، قصة تحكي تاريخ أسرة جمعت بين العلم والتعليم، والبذل والعطاء فتوارثها الأجيال كابراً عن كابر.
وتعدد المتاحف الشخصية بمنطقة عسير وتنمو وتزدهر بدعم سخي ومتابعة من أميرها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، في رحلة تعددت محطاتها ما بين تأهيل القرى التراثية واستنطاق موجوداتها لتحكي زمنها الجميل وأحداثها الجميلة والمحزنة على حد سواء، وما بين تشجيع المهتمين والمؤرخين لقراءة الأحداث وصلة الماضي بالحاضر لنصل للمستقبل بمورثنا وقيمنا وحضارتنا وتاريخنا، لتصل الرحلة بمحطة المتاحف وتأهيلها ، ولا زالت الرحلة قائمة وأبوابها مشرعة للمهتمين والمهتمات من أبناء وبنات المملكة العربية السعودية.
ورغبة في تقديم رؤية تطويرية استثمارية لتلك المتاحف وفق رؤية موحدة وبقالب تصميمي يعكس هُوية المنطقة وتاريخها وفق منطلقات مشهد المنطقة الحضاري النوعي المتميز والموظف لإمكانياتها وموجوداتها.
فخلال العقود الماضية تطوّرت المتاحف الشخصية بجهود ذاتية متواضعة من القائمين عليها بالمنطقة وبالمملكة على وجه العموم حيث تعددت وتنوعت، والقاسم المشترك بين القائمين عليها الاهتمام الشخصي والشغف الموجه نحو حفظ التاريخ واستنطاق الجمادات والموجودات وبموارد ذاتية محدودة.
المتاحف الشخصية ثروة وطنية، وواجهة سياحية، وميزة نوعية تنافسية بقدر ما تحتويه من قطع أثرية ووثائق قديمة وملبوسات عتيقة وعملات نادرة؛ مما ستكون أداة مسرعة وقناة ميسرة لتحقيق استراتيجية هيئة المتاحف من خلال الحفاظ على الموروث وخلق القيمة الاقتصادية لتسهم في تعزيز الناتج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة عموماً وللمتحف خصوصاً، وتعزيز الحركة الثقافية والفكرية من خلال الأنشطة التي تقدمها. ومن هنا، فالمهم احتواء هيئة المتاحف لأولئك المهتمين وتشجيعهم على استكمال التراخيص اللازمة وتسهيلها لهم ليكونوا أحد الأيقونات السياحية الجديرة بالزيارة والاستمتاع والاستفادة مما تحتويه وتقتنيه. والعناية بتقديم الدعم الاستشاري والتأهيلي لهم عبر برامج ودورات تدريبية لرفع كفاءتهم وتوظيف قدرتهم وإمكاناتهم، والحد من التجارب الشخصية المتواضعة، كما تبرز أهمية بحث إنشاء صناديق وقفية بالتعاون مع الهيئة العامة للأوقاف لتمويل تلك المتاحف وتحقيق الاستدامة المالية لها، وتحفيز رجال وسيدات الأعمال لتقديم الدعم المالي عبر أيقونة المسؤولية المجتمعية لشركاتهم ومؤسساتهم، وتحفيز الجامعات والمراكز البحثية لتوثيق تلك المتاحف وتطويرها، وتدقيق معلوماتها التاريخية عبر الرسائل العلمية بالدراسات العليا، وبهذا يتحقق العمل التكاملي بين مختلف القطاعات لتحقيق مستهدف وطني يُعني بتعزيز المواهب وتنميتها، والحفاظ على الموروثات الثقافية والتاريخية والفكرية والاجتماعية.
وأخيراً، فبلادنا متحفٌ واسع تمتد رقعته الجغرافية ليشمل السهل والجبل، والبحر والصحاري، والقلاع والحصون، والمزارع والأودية، متحف مليء بالفرص ومتسع للجميع، والعناية والاهتمام بالمتاحف الشخصية يسهم في تعزيز صناعة السياحة وتوسع نطاقها، وتنوع التجارب والتأثير، وبهذا يُحفظ التاريخ ويُسوق الموجود، ويستمتع الزائر والسائح وفق رؤية وطنية بمعايير عالمية والله من وراء القصد.
@mesfer753