محمد الحرز
دائما ما تتردد في الأوساط الثقافية والأدبية مقولة معبرة تدل دلالة واضحة على أزمة تمس الوعي النقدي من العمق. هذه المقولة فكرتها الأساسية هي أن الخطاب النقدي مقصر عن إدراك المنجز الإبداعي المتنامي حضوره بقوة في ساحتنا الثقافية,خصوصا المنجز الروائي الذي بدأ يتراكم منذ أواخر التسعينات. ظلت هذه الفكرة رائجة دون السعي إلى مقاربتها أو فحصها أو حتى التوقف عند مدلولاتها سواء على مستوى النصوص أو الظواهر. وعندما نعيد صياغة الفكرة من جديد فإننا يمكن طرحها بالشكل التالي: لماذا دائما ينظر إلى الخطاب النقدي بوصفه خطابا لم يواكب تطورات النص الإبداعي وكأن هناك ترتيبا إركيولوجيا ( تعاقبيا) يدخل ضمن التصور العام لهذه الفكرة؟ بمعنى أننا إلى الآن لم نستطع أن نرصد أي ملامح لخطابنا النقدي بمنأى عن المنجز الإبداعي, هذا بالطبع إذا افترضنا وجود فصل بين الاثنين, لعلمي تماما أن هناك حقولا معرفية لا تفصل بينهما بل تنظر إلى النقد بوصفه النواة الرئيسة لنظرية المعرفة الحديثة. هذا الرصد دائما ما ينتهي بأحكام مسبقة بسبب هذه النظرة, وهي أحكام تحجب طرح الأسئلة حول خطابنا النقدي وتطرد كل مقاربة تبحث لها عن مرتكزات فكرية صلبة تعتمدها في تحليلها النقدي. لذلك من الصعوبة بمكان فض الاشتباك بين النصين إذا لم نفرق بالأساس بين الناقد وخطابه من جهة , وبين الخطاب النقدي نفسه من جهة أخرى. ربما الكثير من الدراسات تتحدث عن النقد وهي تقصد بالدرجة الأولى الناقد ومنجزه والعكس ما يكون صحيحا في أغلب الأحيان. هذا الخلط هو احد وجوه الأزمة,أما وجهها الآخر فهو يكمن في التصنيف الذي يطال الناقد بين ما يسمى بالناقد الأكاديمي قبالة الناقد غير الأكاديمي حيث تذهب المقاربات في كل اتجاه وتنهض الإجابات من مواقع فكرية هشة لا تعمق نظرتها التحليلية ولا أدواتها المنهجية في مثل هذه الظواهر. انطلاقا من هذه الملاحظات دعوني أطرح السؤال التالي: ما معنى أن تكون ناقدا أكاديميا بإزاء الناقد غير الأكاديمي؟ أليس هذا التصنيف هو الرائج بشكل كبير حينما نتحدث عن جملة من القضايا الأدبية والاجتماعية والفكرية باعتبارها قضايا يكون الحوار والاختلاف فيما بينها مشروعا طالما كان هذا التصنيف قائما, وكأنه وحده يملك مشروعية الاختلاف في الآراء والمواقف. وكأن أيضا الحصول على المعرفة لا تمر إلا من هاتين القناتين خصوصا ونحن نعيش في عصر المعلومات وتدفقها بسرعة تفوق العقل. عموما هل الحصول على الدرجة العلمية كافية في تصورنا كي نقول: أن هذا ناقد أكاديمي وذاك غير أكاديمي؟ ما هو معيار الفرز في هذه الحالة؟ أليس ينبغي أولا الحديث عن النقد الأكاديمي بدلا من الناقد؟ أليس الأولى التطرق إلى الخطاب النقدي المتشكل داخل أسوار الجامعات , التطرق إلى سماته ومكوناته وأهم القضايا الأدبية والاجتماعية والفكرية التي يطرحها, هذا إذا كنا مقتنعين تماما أن ثمة خطابا نقديا قد تشكل واكتمل , له سماته الواضحة والأهم أثره على عموم الثقافة المحلية. على هذا الأساس يمكنني أن أشير على عجالة إلى جملة من الملاحظات أبدؤها بأزمة غياب الفلسفة عن المناهج التعليمية في النظام التعليمي العام في المملكة. وعليه كيف يمكن أن نتحدث عن خطاب نقدي في جامعاتنا مع غياب تام لمثل هذا التوجه الذي بدونه لا يمكن أن ينهض أي خطاب نقدي جاد. قد يقول قائل: أن الفلسفة حاضرة في النظام التعليمي من خلال المناهج العملية كالرياضيات والفيزياء وحتى علم الاجتماع. أقول هنا لب المشكلة لقد تخرجت أجيال من التعليم بمراحله المختلفة وهي معوقة عن بلوغ التفكير الفلسفي المجرد. دائما ما كان يطرح المنطق الرياضي باعتباره مجموعة من النظريات أسست للثورة العلمية المعروفة في العالم. ولكن ما ظل مسكوتا عنه ولم يدمج في المناهج التعلمية هو تاريخ هذه العلوم ومنطقها وكيف تشكلت وقاومت الفكر السائد في لحظة قيامها في العصور الكلاسيكية عند الغرب. أليس ما نقوم به هو مجرد عزل العلوم وتدريسها بعيدا عن سياقاتها التاريخية؟ أليس هذا ما يجعل أبناءنا يتخرجون من الجامعات فلا هم استطاعوا أن يحافظوا على مشيتهم ولا أن يتقنوا مشيت الآخرين كي يسبقوهم؟!Mohmed_z@hotmail.com