الوقوف تحت قوس قزح
عرض نقدي بقلم/ رون تشارلز (كريستيان سايفس مونينتور)رواية (الوقوف تحت قوس قزح) من تأليف فاني فلاج, تعتبر من احدث ما اخرجته المطابع الامريكية في الآونة الاخيرة في الادب الروائي الفكاهي - الجاد والذي يحظى فيما يبدو باعجاب الكثيرين وتوجه المؤلفة مقدمة كتابها الى جمهوري الحبيب في كل مكان اصدقكم القول بان احداث روايتي هذه قد وقعت بالفعل في احدى المدن الصغيرة بولاية فيردري وان ابطالها - ولاسيما مسز دوروتي هوتن خبيرة التجميل التي لا تعي شيئا عن امور هذه الصنعة! - شخصيات حقيقية. ولذا فاني ارشح هذا الكتاب لكي تقرأوه بدون ان يخالجني ادنى شك او تأنيب ضمير!والواقع ان مطالعة الـ 200 صفحة الاولى من هذا العمل الروائي الذي يتجاوز 500 صفحة تدهشك بروعة السرد وبراعة رسم الشخصيات ومنها الطفل بوبي سميث 10 سنوات الذي يفرغ شحنته من الطاقة الحركية في بضعة اميال من المزارع المجاورة وحدائق منازل الجيران ومجموعة المتاجر القريبة.وتقع احداث هذه الرواية في امريكا ما بعد الحرب بالعالمية الثانية مباشرة التي خرجت منها مزهوة بانتصارها - اي منذ اكثر من نصف قرن وتنجح الرواية الى حد كبير في مساعدتنا على تنفس هواء الجو السائد آنذاك وكأننا من المعاصرين.ونعود من جديد لشخصية الطفل بوبي سميث فنجد ان لديه مشكلتين تؤرقانه, الاولى تلك الابتسامة الغامضة على محياه والتي تدفع مدرسيه الى التشكك الدائم في نواياه والثانية ان والديه من الشخصيات اللامعة في المجتمع ولذا فان خبر اي شغب يقوم به سرعان ما يجد طريقه اليهما!وكان ابوه - صيدلي البلدة - معروفا بالنزاهة وتحمل المسؤولية واما الأم (دوروثي) فقد كانت اشهر من نار على علم حيث انشأت بجهودها الذاتية - وفي غرفة صالونها بالتحديد - محطة اذاعية بلغ مستمعوها الملايين من مختلف مناطق الوسط الغربي بل ان رئيس الجمهورية هاري ترومان بعث يوما ببطاقة تهنئة بعيد ميلاد كلبها السعيد!.ومن خلال الموسيقي الخفيفة الحية والطرائف والاخبار المحلية ووصفات الأكلات الشهية كانت مسز دوروثي توفر لافراد المجتمع الشعور الجميل بالترابط والتواصل مع بعضهم البعض.وتتسم شخصيات هذه الرواية بالبساطة المتناهية, حيث نتابع مثلا مسز دورثي وهي تروي لمستمعيها عبر الاثير مغامراتها العاطفية قبل الزواج بدون اي حرج او احتراز لما قد تسببه هذه الاعترافات من مشاكل لابنتها في مجتمع البلدة الصغير!والحق يقال ان هذه الرواية تولد فينا شعورا غامرا بالحسرة والندم على ذلك الزمان الذي ولي وانقضى زمان المجتمعات المتماسكة التي تفتت الآن تحت معاول الزحف التجاري الاستهلاكي الحثيث.وفي النصف الاخير من هذه الرواية تنقلنا المؤلفة من عقد الاربعينات الى عقد الخمسينات ومن أسرة دوروثي الى قصة فرعية بطلها هام سباركس مندوب مبيعات الجرارات الزراعية الذي قد نصفق له اعجابا كشخصية جانبية في المسار العام للحبكة القصصية ولكن ليس كبطل الوصفية والتحليلية في الجزءين الاول والثاني!وبناء عليه يمكن القول بان المؤلفة - جريا منها وراء تضخيم عملها الفني هذا واطلاق العنان للتوسع في الحبكة القصصية دون حساب لاهمية التركيز كعصب اي عمل ادبي او فني خلاق اختل في يدها ميزان التركيز رغم انها في روايتها السابقة (مرحبا بالمولودة الجديدة في عالمنا) التي احتلت مكانة سامقة على قائمة السبت سيلرز او الكتب الاكثر مبيعا - اتقنت الى حد كبير عنصر التركيز.ورغم كل شيء فالحق يقال ان الزواية الحالية تحمل في طياتها عشقا للحياة وتكريما لكل القيم الجميلة وخاصة في المجتمعات الريفية او شبه الريفية لو استشعر القارئ في هذا العمل بعض الرياح المطيرة العنيفة تزمجر فسرعان ما سيجد سلواه في قوس قزح بالوانه البهيجة فتنقشع الكآبة. ولو بعد حين.