اكبر عملية تسمم جماعي في التاريخ
الزرنيخ قاتل بطيء قضى لتوه على فضيلة خاتون فهي تتمايل كالمخمور في مشيتها الارهاق باد عليها والالم يهاجم اطرافها والبسور والدمامل على اكفها واقدامها انها خلاصة عشرات السنين من سريان السم في جسدها. فضيلة خاتون ليست وحدها وانما بلدها بنجلادش باكملها تغوص في خضم ما تسميه منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة (اكبر عملية تسمم جماعي للبشر عبر التاريخ). عشرات الالاف من البنغاليين تبدو عليهم سمات نفس علامات الموت البطيء.حوالي خمسة وثلاثين مليون شخص يشربون مياها ملوثة بمادة الزرنيخ القاتلة وفي احشائهم يترسب السم رشفة بعد رشفة ويوما بعد يوم. لاكثر من عشرين عاما ظلت الحكومة ومنظمة اليونسيف ومنظمات الاغاثة تحاول تخليص البنغاليين من استخدام مياه البرك التي غالبا ما تكون مشبعة بالمرض القاتل وتشجيعهم للشرب من مياه الابار التي تضخ بمضخات يدوية لكن احدا لم يحاول فحص واختبار تلك الابار الجوفية للتأكد من خلوها من الزرنيخ.وكانت النتيجة استجارة البنغاليين من الرمضاء بالنار.وبعد صمت طويل اضطرت السلطات البنغالية للاعتراف في منتصف التسعينات بوجود تراجيديا كانت تتكتم عليها. وقد اقرض البنك الدولي في عام 1998 الحكومة البنغالية32 مليون دولار لفحص مياه تلك الابار وتوفير مصادر مياه آمنة بديلة.وفوجئ الذين نصحوا باستخدام مياه هذه الابار واصبحوا يعتمدون عليها ان نفس هذه المياه تحمل سرطان الزرنيخ. لكنهم يرفضون تصديق ذلك. ألان اسميث اخصائي علم الامراض في جامعة كاليفورنيا ومختص في التسمم بالزرنيخ قال: بالنسبة للناس يبدو هذا الكلام غريبا وغيرمقنع فهم لا يصدقون ان هذه المياه الصافية التي تبدو نظيفة ستقتلهم. وهو يؤكد ان ما وجده هناك هو اسوأ بيئة لتوالد السرطان في العالم ويجب ان يتوقف الناس فورا عن شرب هذه المياه. فالوضع هنا اسوأ من كارثة بوبال في الهند ومفاعل تشرنوبل.. في قرية شتوبينار شاب استسلمت فضيلة خاتون للمرض بعد ان عجزت عن الحركة وفقدت شهيتها للطعام. فهي تقول بصوت خفيض "أ شعر بانني اتلاشى شيئا فشيئا. واحيانا ادعو الله ان يأخذ روحي.زوجي تخلى عني ولم يعد ينظر إلي".على مدى عشرين عاما ظلت فضيلة 39 سنة تجلب المياه من بئر في حوش منزلها تضخ بمضخة يدوية. والد زوجها وابناؤه الستة وعائلاتهم الجميع يحصلون على حاجتهم من المياه من هذه البئر يعبرون كل يوم عن شكرهم ويدعون بالخير للحكومة التي وفرتها لهم. بينما يستشرى الموت الصامت في اجسادهم.قبل عامين اجرت السلطات فحصا لهذه الابار وكان تركيز الزرنيخ فيها بمعدل 760 ميليجرام في كل ليتر ماء. خمسة عشر ضعفا زيادة على ما تعتبره المعايير البنغالية سليما و76 ضعفا زيادة على المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية.الزرنيخ المعروف بانه قاتل سريع اذا اخذ بجرعات كبيرة يعتبر ايضا قاتلا متربصا صامتا اذا كانت الجرعات صغيرة ويحتاج من عامين الى عشر سنوات او اكثر لتتضح خطورته وهو يؤثر على الناس بطرق مختلفة بينما لا يترك تأثيرا على اخرين.في الوقت الذي تئن فضيلة تحت وطأة السرطان نجد اخرين من افراد اسرتها تظهر على كفوفهم واقدامهم نفس العقد الصغيرة وبقع سوداء منتشرة على اجسادهم بينما يشرب اخرون من نفس البئر ولم تبد عليهم اعراض المرض. لا احد يعرف كم عدد البنغاليين الذين سيلاقون حتفهم نتيجة الاصابة بسرطان الزرنيخ. ريتشارد ويلسون الطبيب من جامعة هارفارد يقدر العدد بمليون شخص اما الدكتور اختار احمد المختص في الصحة العامة فيقدره بما بين ثلاثة الى خمسة ملايين شخص. ويقول الاطباء ان مخاطر الزرنيخ كسرطان الكبد والرئة والكلى والمثانة يمكن السيطرة عليها في معظم الحالات بمجرد التحول لشرب ماء نظيف.وللسؤال هو كم من البنغاليين يمكن اقناعهم بالتحول لشرب الماء النظيف واذا اقتنعوا بذلك اين يجدونه وكيف يحصلون عليه.بنجلادش التي يقطنها 130 مليون نسمة تعتبر ثامن بلاد العالم من حيث الكثافة السكانية.يعيش مواطنوها على رقعة ارض ضيقة. في كل عام يلاقي 91 الف طفل تحت سن الخامسة حتفهم بمرض ذات الرئة ويقتل الاسهال 61 الفا وينافس التدخين الزرنيخ في تسبيب السرطان.عن النيويورك تايمز