ما المتعة التي نحصل عليها من ألفاظ رصت بعشوائية
عزيزي رئيس التحرير لم تبتل لغتنا العربية الجميلة والعزيزة على قلوبنا وأرواحنا على أمتداد تاريخها الطويل بابتلاء ولا بمسخ أكبر ولا أعظم مما ابتليت به هذه الأيام بما يسمى بقصيدة النثر.. هذه الابنة غير الشرعية المتولدة خارج الرحم العربي التي جاءتنا مستوحاة من أفكار ورؤى استعمارية لا تخفى على أحد..هذا المسخ الذي أستطاع وبجدارة منقطعة النظير أن يصرف الناس حتى المتذوقين منهم عن الشعر وأن يجعلهم يكرهون حتى مجرد ذكره.. فبالله عليكم ما المتعة التي يجدها المتلقي العربي في ألفاظ رصت إلى جانب بعضها البعض بعشوائية فجة.. تفتقد لأدنى روح الترابط المنطقي.. كنا في السابق نلوم القراء أشد اللوم لا نصرافهم عن الشعر العربي الفصيح واتجاههم إلى الشعر النبطي أو ( الشعبي) مثلاً، وكنا نرجع ذلك إلى أسباب كثيرة لعل أولها الاهتمام الإعلامي الكبير بهذا النوع.. أو لأن شعراء الفصيح يخاطبونهم بلغة هي أقرب إلى العصر الجاهلي منها إلى عصرنا الحالي.. وبرغم إيماني أن لهذه الأسباب دوراً في انصراف الناس عن الشعر إلا أنني أيقنت الآن يقيناً لا يداخله أدنى شك أن هذه الأسباب ما هي إلا أسباب ثانوية.. والسبب الرئيس لكل هذا هو هذا الهراء المسمى ( بقصيدة النثر).. ولست أفهم ما القاسم المشترك بين هذين اللفظين فلفظ قصيدة ( يكاد أن يتشظى رومانسية ورقة وعذوبة في قالب موسيقي راق ولفظ ( نثر) بعيد كل البعد عن هذه الموسيقي الإيقاعية الصاخبة التي تعج بها القصيدة- مع تقديرنا الكبير جداً لهذا الفن الذي يكفيه فخراً وشرفاً أن القرآن الكريم نزل به ولكنه شيء والشعر شيء آخر.. لعل ما جرني للخوض في هذا الموضوع الشائك والمليء بالألغام حتى أذنيه هو الحوار الذي أجراه زاهي وهبي عبر تلفزيون المستقبل مع الشاعر الكبير والأديب العملاق ( جورج جرداق) حيث استمتعنا جميعاً بقصيدة عصماء من إحدى روائعه أنشدها أحد المداخلين كدت أن أقفز من مكاني إعجاباً وتصفيقاً لها.. ولعلي لا أبالغ أن قلت أن كل من سمعها لابد وأن تمايل معها فهي تحفة فنية ودرة نفيسة بكل المقاييس، وقلت في نفسي: لو خاطب الشعراء متذوقيهم بمثل هذا الرقي من الألفاظ وهذه الرشاقة من الأوزان لاستطاعوا أن يلجوا داخل قلوبهم وأن يتغلغلوا في عقولهم بما يطرحونه من شعر راق ثم وفجأة وأنا في قمة انتشائي أحسست بوخزة مؤلمة في صدري وأنا أتذكر هذه المسوخ التي نسمعها هذه الأيام عبر أكثر وسائل الإعلام..قبل أن أختم هذا الموضوع.. والذي لابد لي من وقفة معه مرة أخرى- ان شاء الله.. اسمعوا هذه القصة الواقعية والتي حصلت مع شخصين أعرفهما غاية المعرفة فقد كان أحدهما متحمساً جداً لـ ( قصيدة النثر) مستجمعاً كل قواه في التنوية بسحرها وجمالها وأنها من أفضل القوالب التي تصب فيها العربية إيقاعاتها.. وبعد جدل طويل مع صديقنا الآخر.. شغل صاحبنا هذا مع شخص ثالث ضمن نفس النقاش.. فتوجه- منتقد قصيدة النثر- إلى مجلة مطروحة بينهما فشرع في تصفحها مقتبساً من كل صفحة أول كلمة فيها حتى أتى على آخرها ورص هذه الكلمات المبعثرة بجانب بعضها في ورقة وقرأها على صديقنا المتحمس للقصيدة إياها وقال له: أريد رأيك في تجربة لي جديدة في كتابة قصيدة النثر.. قال له تفضل فبدأ يقرأ هذه الكلمات وصاحبنا معجب غاية الإعجاب.. مشيداً بما في القصيدة من مواطن جمالية آسرة.. ومن صور بليغة طائرة.. ومن حكم سائرة.. ولما أن انتهى من مدحه أخبره صديقنا بحيلته.. ها ما رأيكم..؟؟؟؟ زكي إبراهيم السالم