د.عبدالمنعم محمد القو
بعد أن خضعت دول الخليج العربي قاطبة في أوائل التسعينات من القرن المنصرم لأزمات سياسية وعسكرية واقتصادية وبيئية بالغة الحدة لم يشهد لها العالم الحديث مثيلا، عادت المنطقة إلى الواجهة مرة أخرى بنفس سيناريو طبول الحرب تمثلت في التهيئة لاستقبال اللاجئين ومعونات مالية وصحية وإيواء ومدرعات تنقل ليل نهار إلى ساحة الكويت وطائرات تحلق وملاجىء وأدوية تستورد بكميات هائلة ومستشفيات عائمة على شاطىء البحرين وكمامات للوقاية من حرب كيماوية محتملة والهدف الرئيس لكل ذلك هو الاقتصاد والاستنزاف صرحوا بذلك أم لا.إننا في منطقة الخليج ما فتئنا نعاني تبعات تلك الحروب الضروس بين إيران والعراق في الثمانينات وما سببته من خسائر لاتعد ولاتوصف سببت لنا كمواطنين في دول الخليج إرهصات منقطعة النظير مع الإيرانيين تمثل بعضها في أحداث عنف بالحرم المكي الشريف وقطيعة شعبية استمرت سنين عديدة.ثم جاءت الحرب الثانية للعراق مع الكويت لتستنزف ما تبقى من ثروات الخليج بشكل كامل وتضع ميزانيات دولها في مستوى الحضيض بحيث ارتفع منسوب المديونية العامة لدولها جعلها تقف عاجزة إلى حد متباين عن تلبية طموحات شبابها المتنامي الباحث عن وظائف تبعد عنه شبح البطالة والفقر...إن الحرب ليست فقط ضد العراق وشعبه ومقدراته وكيانه وشرعيته وإنما يتعدى تأثيرها إلى البيت الخليجي في كل قطر وزاوية، ففي حال استعرت وأعلنت ساعة الصفر من قبل بوش وبلير فان تأثيراتها الاقتصادية بالدرجة الأولى ستكون بالغة الضراوة علينا وستعمق التبعية لميزانيات دولنا للدائنين في الداخل والخارج، ناهيك عن التأثيرات الأخرى لها وأقلها التأثير المحتمل من احتراق منصات البترول في كركوك والكويت وما قد يضاف إليها حسب الخطط الطارئة لصدام كردة فعل وانتقام على ما يجري له.إن البيت الأبيض وعشرة دوان ستريت بعيدان كل البعد عن كل ما يجري أما نحن كشعوب خليجية ملتصقة بمسرح الأحداث بساعات محدودة فستبادر معظم بيوت البسطاء من الناس إلى وقاية أنفسهم وأبنائهم من الحرب الكيماوية التي سيلجأ إليها التحالف الأمريكي البريطاني نفسه من خلال صواريخه المحملة بتلك السموم والمنصوبة في عرض الخليج والبحر الأبيض المتوسط والاخرى المحتملة ومن الجانب العراقي في نفس الآن.إن التهديد ببعض الاستقالات الوزارية في الحكومة العمالية التي بدأت تطفو على الساحة السياسية في بريطانيا ومظاهر الرفض الشعبي والنيابي العارم ضد سياسة رئيس الوزراء ليؤكد بجلاء أن الشعوب في الشرق والغرب هي المتضررة بشكل رئيس من أطروحات ساسة أمريكا الجمهوريين.فالأمريكان والإنجليز أنفسهم ومن خلال المظاهرات التي قاموا بها في العديد من المدن والجامعات يخافون من تأثير الحرب السلبي في تنامي مشاعر العداء المتزايد عليهم نتيجة سياسة قادتهم التي ورطتهم في مستنقعات عديدة حول العالم.كما أن بعض الخليجيين القاطنين بالقرب من البحر أنفسهم يبدون مظاهر استياء كامل معلنة وصامتة للحشود العسكرية من الطرفين (الامريكية والبريطانية من جانب ، والعراقية من جانب آخر) والأطماع المتبادلة من كليهما من وقت لآخر في منطقة كانت قبل البترول قبلة للسلام تحولوا على إثره إلى شعوب مستهدفة في كل شيء ومقصدا للأطماع والنهب والاستغلال في صور بشعة تعيد التاريخ مرة أخرى إبان الغزوات الاستعمارية لإمبراطوريات البرتغال وهولندا وبريطانيا العظمى التي اندثرت ليبزغ نجم أمريكا الساحر ينغص عليها هدوئها وسلامها وراحة بالها فيدخلها في حسابات مختلفة ومتاهات لا أول لها ولا آخر.إننا نريد تسجيل مواقف على أقل تقدير تذكر لنا كخليجيين أسوة بالحكماء رافضي النزاعات وسفك الدماء من الساسة الغربيين بحيث يعلن من خلالها رفضنا القاطع لاستنزاف مواردنا من قبل ساسة أمريكا، وليس من الشعوب لأنها أعلنت بصراحة لنا في مظاهراتها أنها ترفض تسمية الحرب باسمها.