بقلم: بلقيس حميد حسن

صوت عراقي

حينما يأتي الهولنديون لزيارتي مع باقات الورود ، معبرين عن أسفهم لما يحصل من حرب مدمرة على العراق، أو حينما يستضيفونني كشاعرة في التلفزيون ببرنامج يعبر جميع من فيه من مثقفين وأدباء وفنانين، عن رفضهم للحرب، كما كان ذلك في يوم 9-2-2003 حيث كانت هناك طاولة مستديرة تناقشنا حولها على وضع العراق والنظام والموقف من الحرب وكيف أن الشعب يواجه أصعب وأعقد الخيارات فلا أحد يختار الحرب على بلده وشعبه كما أن لا أحد يختار دكتاتورا كصدام ويوم 23-3-2003 حيث قرأت شعري بالعربية رافقتها ترجمة على الشاشة، أو يستضيفونني مع مجموعة من العراقيين لمدة ساعة بالإذاعة أحدثهم فيها عن العراق ونخيله وتقاليد شعبنا وأطيب أكلاته، بعد أن زارتني الصحفية المسؤولة بالإذاعة عن البرنامج المخصص للحرب على العراق ودعوتها للعشاء معي ، وقد سجلت عندي كل مادار بيننا والعراق كان حاضرا بكل شموخه وعظمته،حدثتهم عن بغداد وعن سوق الشيوخ المدينة التي ولدتني ، ثم يذيعون شعري باللغة العربية ،كما جرى يوم 25-2-2003 حيث قرأت شعري الباكي على وطني بإلقائي الذي أعجبهم، أو يرسلون البطاقات عبر البريد الألكتروني أو العادي،تعبيرا عن تعاطفهم مع شعب العراق وبالضد من مريدي الحرب والهمجية، رغم أن حكومتهم لم ترفض هذه الحرب، نرى أن موقف الأغلبية من أبناء الشعب هو أنهم تظاهروا بالآلاف لعدة مرات استنكارا للموت والدمار . حينما يحصل كل هذا ، أتساءل عن مدى تفهم هؤلاء الناس للمشاعر التي تتنازعني وتؤلمني، تساءلت عن مدى حزني الذي يرهقني ويخطف النوم من عيني ويبكيني على كل نخلة أراها على شاشات التلفزيون ، كل نخلة امرأة مفجوعة تفرد شعرها الطويل حزنا واحتجاجا على ما يلاقيه أحباؤها من وجع وموت. وأسأل كيف يسمح عراقي لنفسه أن يفرح بالحرب وإحتلال أرض وطنه مهما كانت الأسباب؟ ثم عدت لنفسي لأ طمئن بأنني لن أطعن بمبادئي ولا بوطنيتي ولأنني معارضة للخطأ ولكل ما هو ضد المبادىء الإنسانية، أعارض الحرب ، وأعارض السياسة الأمريكية ، وأعارض كل من يمد يده بالسلام لأمريكا وأقنانها. أقول هذا وأنا غير منتمية لأي حزب معارض الآن إلا للمنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان في هولندا، لإيماني اننا أحوج اليوم لتعميق مفاهيم حقوق الإنسان بالعالم أجمع ، خاصة بعد أن ضربت الولايات المتحدة ومن قبلها إسرائيل وبعض الدكتاتوريات في العالم كل القيم والأخلاق والإلتزامات التي تخص حقوق الإنسان ، فوجدنا أنفسنا أمام عالم مجنون تسوده القوة والوحشية بكل ما تعنيه من ضياع للاستقرار وضياع لأبسط حقوق الإنسان. أعود لنفسي لاستعيد كل المبادىء التي جعلتني بصفوف المعارضة للنظام العراقي ، فأجد الإجابة كالتالي: لقد عارضت كل ما يقيد وطني، ويفقده حريته واستقلاله وسيادته، عارضت كل ما يقهر الشعب ويصادر خياراته ، عارضت إشعال الحروب مع الجيران والتي لاأهداف لها سوى العدوانية وسوء التقدير، ولا نتائج لها سوى الدمار، لقد عارضت الحرب ،الاستعمار، وتقسيم الأوطان ، ناضلت من أجل عالم خال ٍ من الحروب ،وعارضت إفقار الشعب على حساب فئة مستبدة. اليوم أرى ان هذه الحرب الأمريكية على العراق، هي ضمن ما أعارضه من مفاهيم عدوانية لا تمت للإنسانية والحضارة بشيء ، إنها تطيح بكل أهدافنا وتبعدنا عنها أكثر وأكثر ، فما فائدة معارضتنا أن فقدنا الوطن وهل يكون الشعب في ظل الاحتلال الأجنبي الا في خندق واحد شاء أم أبى إلا من رضي بالخيانة وصمة تلصق به أبدا؟ لقد عارضت النظام الدكتاتوري ومن قبله الأنظمة الرجعية المرتبطة بالاستعمار واقتصاده، ولأنني وطنية ولا أرضى إلا بهذا ، أ ضحي بأعز ما لدي من أجل الوطن، من أجل هذا العراق الجميل، عراق الحضارة والنخيل، ومن أجل شعب ٍ لا ينحني لدخيل. إننا لن ندافع عن نظام ديكتاتوري أذاقنا صنوف الأهوال ، إنما ندافع عن عراقنا الذي ننتمي اليه، عراق الشعب العراقي، نعلم انها معادلة صعبة وخيار غير معتاد ، لكننا وضعنا في هذا الاختبار المميز كما العراق وشعبه، وليس أمامنا إلا أن نضحي من أجل كل هذا الحب الذي نحمله لوطننا، وما فائدة معارضتنا لو فقدنا الوطن ودمر شعبنا بالملايين؟ ودمر مستقبل الأجيال المقبلة بأسلحة فتاكة تبقى إشعاعاتها وآثارها بلايين السنين . لم نرض اغتصاب الحقوق، حتى وإن ارتعب الجميع من القوة العظمى والقطب الأوحد ،وحتما سوف لن نتراكض وراء كرسي مهتريء يتصدق به علينا الأمريكان ، ليتحكموا بوطننا، أو يسوفوا حقوقنا كما سوفت حقوق الشعب الفلسطيني، الذي يدافع مستميتا ببطولة لا مثيل لها ولا من مغيث ،وسوف لن نرضى الحياة تحت حكم عميل، وسوف لن نصدق ما يقولون وما يدعون ونحن نراهم يرقدون على قلوبنا بكل ترسانتهم وقوتهم الفجـّه وأمامنا أبلغ مثال على كذبهم، وهاهي افغانستان مدمرة لاأحد يفكر بشعبها، ولا بإعمارها كما تردد قبل الحرب وكما يرددون الآن من إعمار العراق الأعلامي . إذن لابد للغزاة من الرحيل ولابد من الوقوف ضدهم كمعتدين ومستعمرين، وضد كل من يمد اليد لهم، وكما علـّمنا التاريخ لابد لعروش الطغيان من السقوط يوما، ولابد أن يكون: الوطن أولا. ً شاعرة وكاتبة عراقية مقيمة في هولندا.